Page 77 - Pp
P. 77

‫‪75‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

    ‫عناده المحبب‪« :‬كلا»‪ ،‬يجب أن تأتي لترى‬      ‫المطبخ‪ ،‬سيقفز منها‪ ،‬رآه الآن يقف وفي يده‬
 ‫كيف ستفعل بنا إن فتحتها‪ ،‬ارتجفت ركبتاه‬        ‫شيء‪ ،‬لا شك أنها علبة الثقاب‪ ،‬كان الزجاج‬
  ‫في هذه اللحظة على بعد خطوة من الانهيار‪،‬‬     ‫من السماكة بحيث سيستهلك كسره زمنًا قد‬
‫الطفل يعاند‪ ،‬لم يؤثر فيه صراخه ولا انفعاله‪،‬‬   ‫يساوي الحد الفاصل بين الموت والحياة‪ ،‬لعن‬
 ‫ُترى ماذا كانت ستفعل في مثل هذا الموقف؟‬        ‫النوافذ‪ ،‬علاقته بها غريبة التفاصيل‪ ،‬كل ما‬
 ‫كانت حضو ًرا بهيًّا في ذاكرته في هذه اللحظة‬   ‫أطل من إحداها أصابته كارثة غيرت مجرى‬
‫وهو يستعد للوداع وابنهما للحاق بها‪ ،‬الطفل‬
  ‫يعبث بالعلبة ليفتحها‪ ،‬الرائحة تخرج قرني‬        ‫حياته‪ ،‬حتى حبيبته‪ ،‬النافذة الوحيدة التي‬
                                               ‫تدخل إليه الضوء و يطل منها على الفرح‪ ،‬ما‬
   ‫الموت من مخبئهما‪ ،‬فتحت علبة الثقاب بيد‬      ‫إن أطل منها حتى جاءه خبر موتها‪ ،‬لم يملك‬
  ‫غضة عندما كان يقفز ليصل مصدر الغاز‪،‬‬
  ‫وهو يدير المفتاح ليوقف التدفق كان الطفل‬        ‫القدرة على إطلاق سراح الدمع من مقلتيه‬
   ‫يناديه‪« :‬انظر يا أبي‪ ،‬لقد خبأت قلادة أمي‬     ‫بسبب الحجر الذي جثم على قلبه‪ ،‬ترك كل‬
                                                ‫شيء على حاله لحظة موتها واستمر الحال‬
      ‫هنا حتي تكون بقربي»‪ .‬اهتز كل كيانه‬      ‫هكذا بضعة سنين بعد أن أدخلها والحزن في‬
       ‫واندفع بهستيريا يحتضن ابنه ويطلق‬          ‫الغرفة الرئيسية للذكريات وأوصد عليهما‬
    ‫الدموع من محبسها‪ ،‬كانت يداها فوقهما‬
‫تزيد الاحتضان قوة‪ِ ،‬ل نقتل أحبتنا الراحلين‬          ‫بأقفال كثيرة من هروب وفرار‪ ،‬آه كم‬
      ‫في مدافن الذاكرة؟ لم لا نمنحهم الحياة‬      ‫يفتقدها الآن‪ ،‬كم يحبها ويحتاجها لتمنحه‬
   ‫بحزننا عليهم؟ الآن فقط سيبكي حبًّا‪ ،‬ترك‬
 ‫ابنه في حيرته ودخل تلك الغرفة التي رحلت‬          ‫الحياة ويمنحها الضحك‪ ،‬تبا للنوافذ‪ ،‬لن‬
    ‫فيها‪ ،‬غرس رأسه على وسادة موتها فوق‬            ‫يسمح لها أن تسلبه غرة عينه‪ ،‬لن تهديه‬
‫فراش رحيلها‪ ،‬تغطي بثوبها الأخير‪ ،‬استنشق‬         ‫المصائب بعد الآن‪ ،‬قفز قفزة خارقة جعلته‬
                                               ‫على بعد خطوات من ابنه‪ ،‬صرخ فيه ورائحة‬
         ‫رائحتها ملء رئتيه وبدأ في النحيب‪.‬‬       ‫الغاز تعبق بشراسة‪« :‬دع علبة الثقاب من‬
                                                ‫يدك‪ ،‬دعها‪ ،‬التفت الطفل باس ًما وهو يشهر‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82