Page 81 - Pp
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫وأستدعي ملابس أمي التي أكلت الأرض‬            ‫شجرة تحمل اسم أمي‪ ،‬كانت هناك أمهات‬
    ‫منها مساحات لا يستهان بها‪ ،‬ولأني لم‬        ‫تتابعن أولادهن إلا أمي‪ ،‬غائبة‪ ،‬كانت داخل‬
  ‫أتعود على أن أقمع فضولي‪ ،‬تقدمت ووقفت‬        ‫البيت تعتني بأخي الصغير الذي كان يعاني‬
     ‫أمام باب البيت‪ ،‬وقلت بثقة‪« :‬ده بيتنا»‪.‬‬
‫نظرت إل ّي المرأة وابتسمت وظهرت لي كطائر‬         ‫من نزلة معوية‪ ،‬حينما رأي ُت امرأة تدخل‬
‫خرافي‪ ،‬أو نداهة جاءت لتخطفني‪ ،‬وأنا أمامها‬      ‫من بوابة الرهبة يرافقها شاب يرتدي بذلة‪،‬‬
    ‫لا أملك شيئًا من مقاومة‪ ،‬سرقتني المرأة‬     ‫كانت المرأة رغم شيخوختها تضع الأصباغ‬
    ‫بنظراتها‪ ،‬وأبقتني ساكنًا في مكاني الذي‬      ‫على وجهها‪ ،‬خطواتها الواثقة تدل على أنها‬
  ‫وصلت إليه‪ ،‬ونطقت باسم أمي‪ ،‬فأخبرتها‬
‫بما لا يدع مجا ًل للشك أنني ولدها‪ ،‬وأشرت‬            ‫تعرف وجهتها جي ًدا‪ ..‬أوقفنا اللعب لما‬
   ‫إلى البيت وقلت بأنه بيتها‪ ،‬فطلبت مني أن‬    ‫أصبحا في موازاتنا‪ ،‬فمات الضجيج‪ ،‬وتقدم ُت‬
                                               ‫خطوات حتى أصبحت في منتصف الساحة‪،‬‬
                               ‫أستدعيها‪..‬‬
 ‫ركض ُت إلى البيت ومعي نبأها‪ ،‬فتركت أمي‬         ‫ورحت أتابعهما‪ ،‬رأيت المرأة تسبق الشاب‬
 ‫شقيقي على فرشته يتألم‪ ،‬وخرجت‪ ،‬وما إن‬           ‫وتقف أمام بيت جدي‪ ،‬الذي رحل عنه قبل‬

   ‫رأت المرأة حتى عرفتها‪ ،‬وانحبس صوتها‬            ‫عام‪ ،‬فتحركت ووقفت على مقربة منهما‪،‬‬
‫ووقفت على بعد خطوات منها‪ ،‬وامتد الصمت‬         ‫وصلتني رائحة طيبة ونفاذة‪ ،‬اخترقت أنفي‪،‬‬
 ‫بينهما‪ ،‬خلال تلك اللحظات‪ ،‬تغير وجه أمي‪،‬‬      ‫وشعرت بأني في حاجة لأن أتمسح بملابس‬

    ‫أخذ لو ًنا غريبًا‪ ،‬وأصبحت على وشك أن‬        ‫المرأة‪ ،‬ذلك الإحساس دفعني إلى أن أتأملها‬
   ‫تندفع وتمسك بخناق المرأة بعد أن ذكرت‬
‫اسم عمها‪ ،‬وأصبح هذا الموقف يحتاج لحجر‬
  ‫يلقى في بحيرة المياه الراكدة‪ ،‬حتى نتحرك‬
    ‫للأمام‪ ،‬المرأة فعلتها‪ ،‬وسارعت إلى الباب‬

     ‫وتمترست أمامه‪ ،‬ولمسته‪ ،‬وترحمت على‬
‫جدي‪ ،‬فثارت أمي وأعادت عليها سيرتها معه‬
‫وكيف أنها هربت من الحياة معه مع صديق‬

  ‫له‪ ،‬وتركته يعاني من وجع ما حدث‪ ،‬حتى‬
  ‫خرج ذات يوم ليبحث عنها‪ ،‬وغاب سنوات‬
   ‫كثيرة‪ ،‬ثم عاد كطيف لا حول ولا قوة له‪،‬‬
   ‫مكث أعوا ًما قليلة في بيته ومات‪ ،‬وسكت ْت‪،‬‬

    ‫وراقب ُت وجه المرأة وجدته كما هو لا أثر‬
     ‫لشيء جديد فيه‪ ،‬إلا أنها تراجع ْت قلي ًل‬
 ‫وعانق ْت واجهة البيت‪ ،‬وأفصح ْت عن حقيقة‬

                             ‫الكل يعرفها‪:‬‬
               ‫‪ -‬مفيش حاجة اتغيرت فيه!‬
             ‫حبست أمي أنفاسها‪ ،‬ونطقت‪:‬‬
     ‫‪ -‬كل حاجة اتغيرت من يوم ما هربتي‪.‬‬
 ‫نظرت المرأة إلى الشاب الذي معها‪ ،‬وشعرت‬
    ‫أمي بدنو الخطر منها‪ ،‬فتحركت ووقفت‬
   ‫بجواري وأصبحنا في مواجهة المرأة التي‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86