Page 85 - Pp
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
كنت دائ ًما هناك أمد يدي إليها من بعيد ..أمد لها
يدي تلك التي لم تلتقطها ولا مرة واحدة.
في عمر السابعة عشرة كانت أجمل من أن تتحمل
عيني وروحي جمالها ،ولأول مرة تراني وتكون
قريبة مني ،لأول مرة تلتقط يدي التي مددتها
لها منذ سنوات ،حين وقعت على الأرض بعد أن
صدمها بعض الشباب بدراجاتهم بهدف معاكستها
والسخرية منها.
مددت لها قلبي قبل يدي؛ فتصلبت عيناها
الواسعتان على وجهي وأخذت تنتقل ببصرها من
جبهتي مرو ًرا بحاجبي وعيني وأنفي ،وتوقفت عند
شفت َّي قلي ًل وذقني ،أخذت تتعرف على ملامحي
بأصابع يدها وكأنها ترى إنسا ًنا لأول مرة ،لا
أذكر كيف انتهى ذلك وكيف أوصلتها إلى بيتها،
كل ما أتذكره أني شممت رائحة قرنفل تنبعث من
ثيابها و كأن قارورة عطر من القرنفل قد ُكسرت
أو تم سكبها على ملابسي وكامل جسدي ..كيف
لامرأة خرساء أن تتحول لشجرة قرنفل ضخمة
تمتد أغصانها لتخترق جسدي.
قالت لي العجوز التي تقوم برعايتها إنها آخر ابنة
من نسل عائلة «شجرة القرنفل» والتي لا ُيعرف
إلى أي زمن تنتمي إليه هذه العائلة ،وأن آخر
النسل صام ٌت ويفرز جسده القرنفل حين يقع في
الحب ،كأن الشجرة ُزرعت داخلها ،وبموتها تموت
الشجرة ونسل عائلة بأكملها.
وحكت لي العجوز عن الجدة الأم لهذه العائلة ،التي
عرفت السر أول مرة ،وكان عليها أن تحذر بناتها
علّهن يحظين بفرصة أكبر للنجاة وطول العمر،
ونظ ًرا لصغر سنهن قامت بجمع نساء عائلتها
اللائي يتشاركن معها السر نفسه ،فليس أسوأ من
أن تنجب الأم بنتًا تعول هم عمرها القصير.
إنهن تعيسات أو محظوظات على الأرجح أن
يمتلكن سر حياتهن وسر موتهن أي ًضا.
ليس ثمة مشكلة في عمر الذكور،
ففي تاريخ العائلة يعمر ذكور هذه
العائلة دون إناثها ،فقد يبلغ الذكر
المائة عام ،ومنهم من يصل عمره
للمائة والعشرين مثل أعمار
باقي القرية ،بينما الإناث