Page 86 - Pp
P. 86
العـدد 35 84
نوفمبر ٢٠٢1
تستيقظ المرأة في الصباح الباكر تقص ضفائرها يموت معظمهن بعمر الثلاثين ،والمحظوظات منهن
الطويلة وتعلقها على شجرة القرنفل -وهي شجرة يصلن إلى سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين على
تخص هذه العائلة وحدها مزروعة في حديقة البيت أقصى تقدير ،نساء هذه العائلة شابات لا يشخن
أب ًدا ،ولا يعرفن الشعر الأبيض أو تجاعيد البشرة،
الكبير عمرها يصل إلى مائتي عام أو أكثر ،دائمة لذلك يتم تزويجهن في عمر مبكر يبدأ من السادسة
الاخضرار ،يعلق النساء عليها ضفائرهن كأنهن عشرة حتى يبدأن حياتهن مبك ًرا ،وكحيلة لعمل كل
يلومن الحياة على أعمارهن القصيرة ،-ثم تقطف
زهور القرنفل وتملأ بها عبّها وتعود قبل شروق الأشياء الطبيعية قبل أن يدركهن الموت!
الشمس إلى البيت ..ثم تبدأ بفرك جسدها بزهور كان الأمر مسلم به من قبل عائلات القرية ،فالكل
القرنفل ،وخلع أقراطها وزرع زهرتين من القرنفل يعرف أن هذه العائلة يعيش نسائها بأعمار مبتورة
مكانها ،ثم تغني عارية بصوت ناعم وحاضن كأنه ونسلهن الإناث أي ًضا ،أما الذكور من نفس العائلة
ذراعان يضمان جسدها ،وبعد أن ترتدي ملابس
خفيفة تأخذ بناتها -إن كان لها بنات -وتذهب إلى لو تزوجوا من نساء غريبات عن فرع عائلتهم
أعلى مكان في القرية تسطيع أن تصل إليه حتى لو فكانت ذريتهم -رجا ًل ونساء -تعيش طوي ًل.
كان مئذنة جامع أو سطح كنيسة ،وتغني بصوت لم يكن عمر النساء القصير يمثل مشكلة لرجال
هذه العائلة أو رجال القرية عمو ًما ،فهو فرصة
عال حتى آخر نفس لها. حلوة لكي يتزوجون أكثر من مرة دون تقديم
حين بدأت بالغناء عرفت الجدة الأم أن أختها أي أعذار يختلقونها للزواج بأخرى ،وغالبًا كانوا
تموت ،كان صوتها وأغانيها تشبه تراتيل الجنائز يتزوجون من نفس العائلة حتى يكررون التجربة
القديمة ،صوت عذب ومخيف يقبض القلوب ،لن
تنفع الحيل التي عرفتها الآن لدفع الموت عنها ،ولا بزوجة شابة عمرها قصير ومهرها أقل.
عزاء لها ولأختها عن السنوات التي أنفقتها دفعة نظ ًرا لأنهن بعمر قصير كان مهرهن أقل مهر في
القرية ،ولم يفكر أحد في السبب الذي يحول دون
واحدة في غناء يوم كامل. أن يعشن عم ًرا أطول ،ولماذا هن بالذات دو ًنا عن
هي كانت حيلة أي ًضا من نساء هذه العائلة حين نساء القرية ،هل لأنهن جميلات وعيونهن تبدو
يردن إنهاء حياتهن لسبب ما ،الغناء لم يكن السبب براقة ومضاءة طول الوقت فتنفد بطارية أرواحهن
في موتهن ،بل الوسيلة التي تهدر بها الكثير من سري ًعا ولا مجال لشحنها مرة أخرى؟ أم لأنهن
ذكيات ونوافذ عقولهن مفتوحة دائ ًما؛ فيطير العمر
الكلمات في وقت أقل.
الجدة كانت تبحث عن حيل أخرى تفر بها وغيرها منها؟
من الموت ،أو تؤخره على الأقل بعض الوقت ،أهم المهم كانت الجدة الأم أذكى واحدة في نساء عائلتها
حيلة توصلت لها كانت الاقتصاد في الكلام ،كان في ذاك الوقت ،وأكثرهن صمتًا ،ربما لأنها كانت
عليها أن تحسب ما يلزم العمر من كلمات حتى تبحث دائ ًما عن أسباب عمرهن القصير ،وترى
يمتد فيتم نقصها من الاستخدام اليومي ،سجلت أنه ليس من العدل ألا ُيمنحن أيا ًما تتساوى مع
كل ما توصلت إليه من نتائج في دفاتر خبأتها في الأخريات أو تقترب منها حتى ،ما الذي فعلنه
صندوق خشبي حفرت له مكا ًنا أسفل سريرها، ل ُتسلب أعمارهن بهذا الشكل؟ وحين وصلت إلى
حتى تزوجت أخذته معها لبيت زوجها وخبأته بعض الحيل التي تمد في أعمارهن وقتًا أطول قلي ًل؛
توفيت أختها الثالثة -فقد كن أربعة أخوات هي
بنفس الطريقة. أصغرهن -التي لم تتوقف في ذاك اليوم عن الغناء
كانت الجدة الأم أول من تزوجت خارج القرية من -كما فعلت أختيها يوم موتهن -وكأنه وسيلة
أحد أبنائها الذين يعملون في المدينة ،فكانت فرصة لتفرغ من حنجرتها كل الكلمات التي تفصلها عن
لها أن ترحل إلى عالم جديد ربما يمنحها ذلك أيا ًما
إضافية في الحياة ،فمن الممكن أن يرجع سبب قصر الموت!
العمر إلى عدم خروج بنات عائلتها من القرية ،ربما كانت عادة غريبة يمتن عليها نساء هذه العائلة،