Page 82 - Pp
P. 82
العـدد 35 80
نوفمبر ٢٠٢1
حقيقي في لحظة مختلفة ،هكذا أدركت بعد اصطف الشاب بجوارها ،يفصل بيننا مسافة
سنوات ،وحتى لا تنسى قالت له بأنه لا بد تكفي لمد ذراع ،وهالني ما ظهر على أمي من
أن يكون حاض ًرا أثناء وجود المرأة ،هز رأسه قوة ،فهي كانت لا تملك إلا الخضوع لأبي،
وسكت.. تحتسيه كل يوم كفنجان قهوة ،أصبحت
وفي الصباح جلس أمام الباب فلما جاءت قادرة على التماسك وإظهار جرأتها ،وكما
المرأة والشاب ،فتح باب البيت ،كانت أمي قد
كنست المجاز ورشته ،وفرشت الدكة التي قالت لي فيما بعد ،الكلمات لا تخذل من
شهدت حكاياته ،وأخذت المرأة تتفقد البيت، يعرفها ،الصمت وحده يقتل من يعرفها ولا
شعرت من نظراتها أن هناك حكايات أخرى يخرجها ،لذلك راحت تعيد تاريخ المرأة في
تعرفها لم تصلني من جدي ،حكايات طويلة، مشهد يشبه اللحظات التي مضت ،وبعد أن
ليست مسموعة إلا لها وحدها ،وملموسة انتهت أمي ،ألقت المرأة بما جاءت من أجله:
-البيت بيتي ،ومعي ورقة من عمك عليها
لعينيها ،قال والدي:
-البيت على حاله. بصمته.
ظلت صامتة وقالت :من يحزن سيحزن إلى ثبتت أمي بصعوبة بالغة في مكانها،
الأبد ،وافقها والدي ،وأخرج من جيبه ثمن وأصبحت تجد صعوبة في أن تستمر في
البيت ،نظرت إلى اللفافة ،وابتسم ْت ،وأزاح ْت الحوار مع الغريبة التي أخرجت سلاحها
يد والدي للخلف ،واستدار ْت وعانق ْت وجه الذي كان يحمله الشاب في جيب السترة
أمي ،وقالت إنها عادت حينما غادرها حزنها، التي يرتديها ،وناول صورة لأمي ،وأكملت
المرأة بأنها ستبيعه وتعود من حيث جاءت،
وسألت أمي: وأضافت« :وأنت أولى من الغريب».
-ليه نسيتي وصية عمك؟ عادت أمي غاضبة إلى البيت ،جلست ساهمة،
ارتبك ْت أمي ،وفشل ْت في أن تعود مرة أخرى وبكل ما فيها من هشاشة بدأت تنجز عملها،
إلى ما خسرته من عداوة لها ،وسألتها: وكلما تذكرت المرأة ،نظرت إلى صورة جدي،
وهمست« :ربنا يسامحك يا عمي» ،ظلت
-مين قالك عنها؟ هكذا ،حتى جاء والدي ،لم تنقل إليه خبر
-عمك. المرأة إلا بعد أن تناول طعامه واستراح،
بعدها تكلمت ،أغمض عينيه كأنه يرسم في
أخافتها ،فأمي ظلت لسنوات تظن أنه لا خياله ما حدث ،وقال إنه يعرف بهذا الأمر،
يوجد أحد يعرف هذه الوصية إلا أنا وهي، فجدي أخبره به ،ارتبكت أمي ،لمح ما هي
فيه ،فابتسم لها وقال« :متشيليش هم»،
والمرأة ظهرت لها كأنها تلاعبها ،ولأنها ولم يقل كلمة أخرى ،وخرج إلى المقهى،
بدأت تدرك ذلك كانت أعظم هدية قدمتها وظلت أمي في جلستها كما هي ،خائفة
لنفسها هي أن بقيت ثابتة ،وتمسكت كما من المجهول ،فضعفت همتها ،وأدركت أن
قالت بالبيت الذي يفوق مخاوفها ،والمرأة لم والدي لن يهتم بالأمر ،حتى جاء وألقى
تمنحها الفرصة ،ولم تضيع الوقت ،قالت: بين يديها بلفافة ،وقبل أن تفتحها قال لها:
«دي تكفي تمن البيت» ،رفعت إليه عينين
-احرقي السرير والزقلة بتوعه. مدهوشتين ،واجتاحها الصمت ،احتالت على
تدخل والدي وقال لأمي: وقته بابتسامة عرفان ،فتحالف معها وردها
لها ،وكأني غير موجود ،اقتربت منه ،وألقت
-وصية الميت واجبة التنفيذ. بنفسها بين ذراعيه ،كانت حقيقية وكان هو
ومد والدي اللفافة ،فردت المرأة يده ثانية
وقالت إنها لا تريد ما ًل ،وسألها عن طلبها،
قالت« :رماد السرير» .علق والدي عينيه على
وجه أمي التي كانت قريبة من الانهيار.