Page 74 - Pp
P. 74
العـدد 35 72
نوفمبر ٢٠٢1
من آثاره على ملامحي .قلت بح ٍّس رفاق ٍّي خالص تجاري هناك قد ت ّم عرضه بجاذبية شيطان وعناية
هذه المرة« :لا تقلق يا صديقي ،لقد ملأ ْت الدمامل ملاك :الملابس ،لعب الأطفال ،الأطعمة ،مفارش
حوائط روحي منذ فترة» .ثم شرع كلانا يتوغل
داخل دهليز صمت كثيف ح ّل على غير توقع .كان المنازل ،وغير ذلك مما وصلت إليه في ح َّمى المنافسة
صالح الطيب لا يزال يقلب بين يديه «لوعة الغياب»، يد خبراء في فنون التسويق وعمال مهرة بدا دو ًما
كما لو أن الله خلقهم فقط للقيام بهذه المهام أو تلك.
لعبد الرحمن منيف ،حين أخذ يتحدث فجأة عن قال وهو يشير بيده إنه أتى «إلى هنا» لأن «ذلك
«مفهوم الموت» لدى عدد من الكتّاب .كان من بين
أولئك الكتّاب نجيب محفوظ وأمل دنقل والباحث في المحل ُيق ِّدم هذه الأيام» تخفيضات في أسعار الأقلام
والورق وأشياء أخرى خاصة بمتطلبات «الكتابة».
عبقرية المكان جمال حمدان إن لم تخن الذاكرة. ثم دعاني لتفقد المحل المذكور .وأخذ يلح ،موض ًحا
غريبان يجلسان في محطة .يتحدثان خط ًفا عن أن بوسعي إلقاء نظرة «لن تأخذ من وقتك الكثير،
معضلة أزليّة .قال« :تعامل هؤلاء يا ماجد مع الموت يا ماجد» .أوشك ُت أن أخبره أنني لم أعد أستخدم
الورقة والقلم لكتابة شيء ما .لقد وقعت ببساطة
كما لو أ ّنه حدث عادي». في أسر ساحر حديث يدعى «الكومبيوتر» .لو أنني
أخذنا نحرق السجائر في تتابع مذهل« .إنها إحدى
ُمتع الحياة» .كان يحلو لصالح الطيب أن يردد على قمت تلك اللحظة بتلبية دعوته ضار ًبا عرض الحائط
مقاهي القاهرة زمان ،وهو يجذب أنفاس الشيشة بواجبات وظيفتي الأخرى ولو لمرة واحدة لربما
رأيته وهو يداعب تلك الأوراق والأقلام والدفاتر
الدائرة بالتناوب بيننا .قال يجيبني عن سنوات البيضاء بكل ذلك الحنان الذي يمكن أن تحدثه
غيابه التسع «هنا في كندا» إنه قد أنهى تأليف أنامل ناقد حصيف على مشارف الكتابة.
سبعة كتب .فكر ُت في الحال بيني وبين نفسي في ...
شح المصادر والمصاعب الأخرى التي قد يكون
واجهها صالح الطيب كناقد يكتب من منفاه البعيد بعد مرور تسع سنوات ،أو قبل مضي نحو العام،
المختلف تما ًما «هذا» .ناهيك أن عملية إنجاز كتاب بينما أهبط من الباص رقم ( )8في إحدى محطات
واحد فقط بمثابة مسألة تستنفد الكثير من الطاقات وسط المدينة متج ًها صوب عملي الآخر ُمب ِّك ًرا على
الداخلية .سألني قاط ًعا حبل تفكيري ذاك« :وأنت، غير العادة ،بادرني شخص طاعن في السن بالسلام
يا ماجد ،ماذا كتبت»؟ قلت« :لا شيء ،أتقلب بين
الوظائف الهامشية فقط» .حين رأيته ينطوي حزينًا وهو يمد يده اليمنى نحو كتفي على طريقتنا
على نفسه« :ربما أكتب قريبًا مرثية لك يا صالح». السودانية .لبثت حائ ًرا قبل أن أدرك أنني أمام
صديقي القديم نفسه وج ًها لوجه .صرخت« :صالح
انفجرنا م ًعا بالضحك. شخصيًّا»! كان يهم بالصعود إلى الباص الذي
كانت الغرفة الخالية ،من قسم العناية الفائقة ،التي هبطت أنا منه ،للتو .لعله كان متج ًها لتفقد أسرته
قادنا إليها ذلك الطبيب بوجه راهب مشحونة برهبة
الموت الماثل .زوجته أمل تبدو عهدها حزينة متعبة الصغيرة جنوبي المدينة.
«لقد تغير َت كثي ًرا يا صالح».
غارقة منذ سقطته المباغتة تلك في وحدتها« .كما
ق ّطة مبتلة تما ًما بالبرد وماء المطر» .كان إذن قد م ّر قال:
أكثر من سبعة أيام منذ أن توقف قلب صالح الطيب «أنا طب ًعا ال ُّسكري والضغط لكنك يا ماجد أنت
نفسك تما ًما كما تبدو من صورك في بعض مواقع
وأُسعف .قال الطبيب وهو يحتفظ بنفس رباطة
الجأش والنبرة الهادئة لمن يدرك جي ًدا بحكم الخبرة الإنترنت .على ما يرام».
قرأت س ًّرا بعض التعويذات.
أو التدريب ذلك الحد الفاصل ما بين عواطفه لكأنني أُحادث غريبًا لا هو!
ومهنته إنهم كمختصين في أمراض القلب كانوا كان عليَّ أن أعتاد على ما طرأ عليه .على أنني
في انتظار «قرار أخصائي المخ» .وإن حالة «مستر سرعان ما حاولت التخفيف من وطأة الشعور
صالح الطيب» وفق ذلك القرار «ميؤوس منها». بالرثاء تجاهه موض ًحا أن الزمن ترك أي ًضا شيئًا