Page 71 - Pp
P. 71
69 إبداع ومبدعون
قصــة
عبثًا ،أحاول النوم إلى جانب زوجتي المتعبة جراء
الحمل وعمل البيت .لقد صار صالح الطيب الآن
أكثر شب ًها بر ّبان وحيد في مفترق طرق خطير
وحاسم .قد يطيب له في الغد المقام بيننا على سطح
هذه الأرض ،وقد يؤثر الرحيل .قالت زوجتي وهي
تراني أتقلّب طوي ًل هكذا على الفراش يمنة ويسرة:
«لكن يا عزيزي ،غير الانتظار ،ما الذي بالوسع
فعله هناك»؟
المؤكد أن هذا ما سيحدث بعد الانتظار :ستتوقف
غ ًدا الآلات الطبية المساعدة على الحياة .سيحقنونه
«بما لا يدعه يتألم» .ليبقى الجسد وحده في مقام
القرار :الذهاب قد ًما في طريق الموت ،أو العودة
إلى الحياة .لا لم يعد صالح يمتلك حتى ذلك القدر
الضئيل من إرادة البقاء« .سنحقنه بما لا يدعه
يتألم» .كانت تلك العبارة ترددت في سياق التقرير
الطب ّي القاضي بخيار القتل الرحيم» .لا أدري عن
ح ّق إن كنت قد سمعتها هكذا كما جملة منتزعة
من القاع السحيق للجحيم أم أنني أتخيل؟ وصالح
لا يزال طريح الفراش نفسه ،متقلّبًا هكذا ما بين
مصير ومصير ،لاحظ ْت زوجتي بدهشة أنني قد
بدأت أتحدث عنه على نحو قد يفهم منه كما لو أن
صالح الطيب قد مات بالفعل .كان ذلك في منتهى
اليأس ،أو القنوط .كنت ببساطة أشير إليه المرة تلو
المرة في ثنايا ذلك الحوار الخافت المتتابع عنه ،قائ ًل
بعفوية لا تخلو من أسى:
«المرحوم صالح الطيب»!
ذهب ُت إليه ،خلال نهاره الأخير بيننا نحن زمرة
الساعين وراء الرزق ،ناشدته في رهبة غرفة العناية
الفائقة باسم أسرته وأصدقائه وق ّرائه وولديه
أن يبقى« ،حتى تقول كلمتك الأخيرة كاملة غير
منقوصة ،يا صالح» .لم يكن هناك أحد غيرنا
ليسمع.
كان بوسعي أن أرى عبر زجاج الغرفة ذاك درج
الممرضات في الخارج .قلت« :هل كنت أنت تردد
يا صالح صديقي ،قائ ًل :تكفي الكتابة كموقف
ضد الفناء والعدم مبر ًرا للحياة ،أو الصمود»؟ ذلك
جوهر ما حكم مسار مناجاتي تلك .كان صوتي لا
يزال خافتًا قرب رأسه« :لقد كن َت أنت تردد كذلك
يا صالح أن كل شيء هناك يتعلّق بعمليات التحكم