Page 70 - Pp
P. 70
العـدد 35 68
نوفمبر ٢٠٢1
الفاصل ما بين الصمود والتسليم .أجل ،لقد حدث
هذا لسوء ح ّظ صالح الطيب «التاريخي» ذاك ،لأ ّنه
لم يم ِض سوى نحو العام ،حتى سقط برمته ،نظا ُم
نميري ،بثورة أولئك «الجوعى الغاضبين» .لم
تفارق صالح الطيب تاليًا ،سب ُة مشاركته ،في «نظام
القمع هذا» ،حتى الممات.
ما سمعناه منحد ًرا عبر مجرى روايات من هنا
وهناك ،أخذ يغلب عليه طابع المرح مع تقادم العهد
به وتراكم السنوات والحقب .ما سمعناه يدعو
ح ًّقا للحيرة والعجب .لقد بدا صالح كمستشار
ثقافي وقتها للسادة رئيس الجمهورية جعفر محمد
نميري مبذ ًرا منذ اللحظة الأولى .يذبح خرو ًفا في
كل يوم تقريبًا ،يدعو إليه أصدقاء ومثقفين وكتّا ًبا
وصعاليك كانوا يبرونه بسيجارة أيام فقره المدقع
ذاك وشعراء بهيئات مهملة بدا أغلبهم منتميًا إلى
يسار «تاريخي» متخم بمزاعم وقصص بطوليّة
الأرجح من نسيج كاتب «ثور ّي» من طراز مكسيم
جوركي .كان في ولائم صالح الطيب «الذي
أُخذ يعرف بمست ّجد النعمة» الكثير المتن ّوع من
«الشراب» ،عو ًضا عن قدرة صالح الطيب المذهلة
في مقاربة النصوص واتجاهات الأدب والنفاذ
بيسر إلى جوهر الأشياء ،ناهيك عن قدرة صالح
الطيب المصقولة «جيّ ًدا» في تجسير اله ّوة القائمة
كما الأسى ما بين أولئك الصعاليك وهؤلاء المثقفين
«العضويين» ،حسب جرامشي .في نهاية تلك
السهرات ،كانوا يشتمونه« :لكنك تفتقر يا صالح
إلى شرف الكلمة»« .يا لك من خائن طبقي .بأحلام
برجواز ّي صغير»!! «لقد بع َت روحك للشيطان يا
صالح»« .تعلم أ ّيها الظلام ّي القميء المتستّر بالنور
يا هذا المدعو صالح الطيب والطيبة منه براء أننا
أكلنا أكلك وشربنا شرابك لأ ّن أصل المال ُس ِر َق
من جيب الكادحين» .كانت السخر ّية المسالمة سلاح
صالح للاحتفاظ طوي ًل بطعم اللحمة داخل ف ّمه.
سأل ُت طبيبة ،وخيط الأمل ذاك في عودته معافى
للحياة لا يزال معقو ًدا داخل نفسي ،عن «وضعه
الصحي الأخير» .قالت بنبرة جا ّفة كما صرير
آلة حادة تزحف ببطء على سطح صلب« :لا يزال
كعهده ،في حال سيئة .غير قادر على التواصل».
هذه ليلة الخوف والرجاء.