Page 68 - Pp
P. 68
العـدد 35 66
نوفمبر ٢٠٢1
شامبليون في القاهرة .وهو يحمل ورقة فلوسكاب لنحو العام ،كلما قمت بتسوية تلك المُ ِه ّمات ،كان
مطو ّية يس ّجل عليها بقلم حبر أحمر ملاحظاته يع ّن لي أن أتساءل في نفسي إن كنت أنا على وجه
بشأن الواقع بينما يواصل سيره المتأمل!
هل يمكن الآن رؤية شيء ما آخر خارج نطاق الخصوص هو َمن قام في يوم من الأيام دون
التوقع في تلك الأعقاب المتناثرة في الأسفل؟ هل أن يكون هكذا على علم دقيق بنقل تلك الأعضاء
يمكن الإمساك بشيء ما قد يعمل على إثراء هويتها الحيو ّية المنتزعة من جثمان صالح الطيب؟
غير كونها محض أعقاب سجائر مطفأة بألف لقد ت ّم بعد عناء الانتهاء من جمع التبرعات ،من
منفيين منتشرين في أنحاء العالم ،نقل جثمان صالح
طريقة وأخرى ،شيء آخر غير كونها في الأخير أخي ًرا ليدفن ،في الوطن .كذلك ُكتب على تلك الأعضاء
مجرد ك ٍم مهمل غير ذي قيمة أو اعتبار؟ أم أ ّنه ليس الحيو ّية المنتزعة من جثمانه مثل ذلك النوع من
بالوسع حت ًما رؤية ما قد هو ليس هناك؟ كذلك قد ضياع المنفى ،الذي لا عزاء فيه.
يساعد تأ ّمل العالم الأليف عبر زوايا غير مطروقة.. على أي حالَ ،من يبالي هناك؟
عبر منظور غير معتاد البتّة ..على إثراء الحياة «لعلك يا ماجد تفكر في مشروع تجاري ما بشأن
وتجديدها على نحو قد تبدو معه مثل هذه الأعقاب أعقاب السجائر هذه»؟ علّق صالح الطيب أخي ًرا
بسخريته المسالمة تلك .ضحكنا كما غريبين جمع
المتناثرة من السجائر حوام َل شاعر ّية للشجن
أو أجنحة لا تبارى في سحرها ذاك لتبديد غيم بينهما الحنين ولعنة الكتابة لا مراء وحفنة أشياء
الذكريات أو أشباح الحنين؟ أم هو أخي ًرا السعي أخرى .قيل في الأثر «لا يلتقي كاتبان ،حتى يرث
للكشف في المرئي عما هو غير مرئي؟ ما هدف كل الله الأرض ومن عليها ،إلا جرفهما التوق عاج ًل أو
ذلك على مستوى كتابة الن ّصوص والتفاعل معها آج ًل إلى الحديث عن أوضاع الكتابة وملابساتها».
غير بيان أهمية الخيال في توسيع أبعاد الواقع لو لم يحدث ذلك ،فثمة ما قد يقلق ،أو يثير الذعر.
والقابلية على تعدد التفسير وتنوع أفق الاختيار! ذلك أن الولع بالكتابة لا يبقي لك شيئًا آخر غيرها.
أجل ،كان زميلي أدوين ،الفلبيني الحالم بالغنى مع ذلك ،أو على الرغم من رغبتي تلك التي لا تقاوم
وبناء بيت ،يشاركني التدخين صامتًا كعادته ،قبيل في مواصلة استدراجي له عبر باب الأعقاب هذا
ظهور صالح الطيب هذا. للحديث عن الأدب وقضاياه ومشاغل «المشهد
ويبدو أن أدوين أخذ ملاحظة صالح الساخرة الثقافي» الأخرى ،لم أشأ أن أعمل تاليًا على الالحاح
بشأن المشروع التجاري لإعادة تدوير أعقاب
السجائر المتناثرة تحت أقدامنا بجد ّية ،حين صمت عليه وتذكيره بما قد تعلّمناه هنا في هذا الشأن
غار ًقا في تأ ّمل داخليّ الله وحده أعلم كم من الملايين وطوال مساجلات القاهرة البعيدة النائية تلك من
قد صنع خلاله أدوين هذا .أخي ًرا ،ع ّن لي أن أسأله: حالم آخر يدعى ب ّشار الكتبي ..حالم يهتم بالرؤى
«أتذكر الرجل الذي كنّا نتحدث إليه قبل أسابيع عند
بوابة المستشفى»؟ لما شخ َص بعينين معتكرتين: المغايرة للناس تجاه «أشياء العالم» ..حالم يعلم
«ذلك الرجل الذي تحدثنا إليه أنا وأنت هناك قرب كلانا في أثناء تلك الوقفة قرب بوابة المستشفى أ ّنه
تلك البوابة عن أعقاب السجائر ،لو تذكر ذلك ،يا
أدوين»؟ قال« :آه .نعم نعم .الآن فقط أذكره .ماذا يغالب وحي ًدا في الجارة أميركا منذ بعض الوقت
عنه»؟ قلت« :لقد مات يا أدوين» .لم يعقب أدوين. سرطان المخ بضراوة ثور ّي اعتزله الواقع ووداعة
فقط ،أطرق في صمت بدا من نوع مختلف هذه المرة. كاتب مجيد لن يت ّم له التحقق كما أراد طوال حياته
بالطبع ،الموت هو الحقيقة الوحيدة تقريبًا التي تبدو
معها الأشياء والأفكار والرغبات محض موضوعات المثقل معظمها بأعباء الحاجة ،أو الفقر .ما قد
تعلمناه من ذلك الحالم في غير أوانه كان بسي ًطا،
لا تنتهي لرحى القدر! إلا أ ّنه يكفي لكتابة تكافح محتفية بالوجود سريع
لما أخذ يتفاقم ،ذلك الشوق إلى متابعة الحديث هذه الزوال لهذا الإنسان« :أن تتأمل الأشياء ككاتب على
نحو يخرجها عن عاديتها» .ولا أدري ِ َل تلح عليَّ في
هذه اللحظة تفاصيل تلك الذكرى مع ب ّشار الكتبي
هذا دون غيرها؟ التقيته منتصف نهار ما في شارع