Page 12 - merit
P. 12

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪10‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

   ‫خارج نصية تدلل عليها «علاقة الصداقة»‪ .‬وبهذا‬         ‫سننظر إلى التداخل النصي بين الشعر والسرد‬
    ‫يكون المؤلف قد دشن أرضية قصته بالقصيدة‬         ‫بأنه صهر وإذابة‪ ،‬به تضيع حدود قصيدة التفعيلة‬
     ‫محق ًقا وظيفة إشارية هي لبنة أولى يضعها في‬
    ‫بنية معماره السردي الذي سيتوكد في المتن من‬          ‫في حدود القصة القصيرة التي تعبر عليها بما‬
                                                   ‫يمتلكه قالبها من إمكانيات تجعلها جن ًسا عاب ًرا لغ ًة‬
‫خلال أسماء الشخصيات وطبيعة الأماكن والمشاهد‬
  ‫التي يحضر الشاعر شخصية مساندة وثانوية في‬            ‫وأحدا ًثا وشخو ًصا وبنا ًء زمكانيًّا‪ .‬وهو ما عمله‬
                                         ‫أحدها‪.‬‬       ‫القاص متعد ًيا بنية القصيدة جاع ًل منها قاعدة‪،‬‬
    ‫وإذا كان اسم المؤلف (الشاعر أو القاص) مه ًّما‬   ‫معطيًا القصة القصيرة فرصة إثبات خصوصيتها‬
      ‫في تشخيص صيغة معينة لوجود الخطاب أو‬           ‫التجنيسية وأنها أرسخ من قالب القصيدة وعابرة‬
    ‫الإعلان عن وضعية من وضعيات هذا الخطاب؛‬
     ‫فإن في إخفاء المؤلف لنفسه وراء ذات ثانية له‬                                             ‫عليه‪.‬‬
  ‫يمثلها السارد العليم وتصريحه باسم الشاعر في‬      ‫ولكي نفهم فرادة التجريب الذي قام به جهاد مجيد‬
 ‫الافتتاح ثم استحضاره كشخصية داخل المتن إنما‬       ‫في قصته (الإقامة على الأرض) وكيف أعطى لجنس‬
     ‫يدلل على رغبة المؤلف (القاص) في إعطاء نصه‬
   ‫سمة لا تشخيصية بها ينفتح الوجود القصصي‬           ‫القصة القصيرة ممكنات جديدة‪ ،‬علينا تحديد هذه‬
‫فتتعدد وظائف الخطاب بلا تحديد زماني أو تعيين‬         ‫الممكنات وتمثيلاتها التجريبية ودلائلها‪ ،‬وكالتالي‪:‬‬
                                      ‫مجتمعي‪.‬‬
 ‫واشتغال القاص على نصين يحملان العنوان نفسه‬            ‫أو ًل‪ :‬ممكنات مفاهيمية نظرية‬

‫(الإقامة على الأرض) تعني قصديته في جعل السرد‬          ‫وتتجسد فكر ًّيا في ما سماه ميشيل فوكو (إحياء‬
   ‫متحد ًيا الشعر بهويتين هما هوية القاص كناص‬           ‫المؤلف) التي هي فكرة مختلفة عن فكرة موت‬
     ‫وهوية النص الشعري المتناص‪ ،‬والنتيجة غلبة‬          ‫المؤلف‪ .‬والاختلاف ليس في فهم كينونة المؤلف‬
  ‫الهوية السردية التي فيها هيمنت مقصدية المؤلف‬
       ‫على الخطابين السردي والشعري من خلال‪:‬‬          ‫وإنما هو في فهم وظيفته التي تنبع من التساؤل‪:‬‬
   ‫‪ )1‬بنائية القصة التي فيها القصيدة مجرد قاعدة‬      ‫ما أهمية من يتكلم ما دامت المنهجيات النصية قد‬
      ‫عليها ينبني تصاعدها السردي بزخم درامي‪.‬‬          ‫فرضت موت المؤلف وأجازت النيابة عنه بمؤلف‬
    ‫‪ )2‬صيرورة (الشاعر) في القصة شخصية من‬           ‫ضمني هو ذات ثانية انطلا ًقا من فكرة أن من يكتب‬
  ‫دون تسميته‪ ،‬يؤكد أن القصة ليست متناصة مع‬
  ‫القصيدة؛ وإنما هو ابتداع فيه تتجسر الصلة بين‬                                  ‫ليس هو من يحكي؟‬
                      ‫القصيدة والقصة القصيرة‪.‬‬          ‫إ َّن المنهجيات ما بعد النصية ترفض هذه الفكرة‬
   ‫وقد يسأل سائل‪ :‬كيف يمكن أن ننسب خطابين‬             ‫وتؤكد أهمية الإبقاء على المؤلف حيًّا كي يكون له‬
  ‫(شعري وسردي) لمؤلف واحد؟ أم أن المؤلف هنا‬            ‫دور في بناء نصه الذي يتشارك في إتمامه معه‬
                        ‫يتكرر في أفراد متعددين؟‬    ‫القارئ بوصفه بنية فاعلة تشاركية وبالشكل الذي‬
  ‫إن إنتاجية النص سواء أكانت بالتوافق والتماسك‬       ‫يحد من انفلات النص وتكاثره وتشتت تأويلاته‪.‬‬
                                                       ‫والمثال شهرزاد التي تظل حية وهي تؤدي دور‬
‫أم كانت بالتضاد والتفكك تظل محصورة في القاص‬          ‫المؤلفة الحكاءة في الحكاية الإطارية في حين تترك‬
  ‫لوحده أو ًل لأنه ليس نا ًّصا يتداخل نصه مع نص‬    ‫المتلقين يواجهون شخصياتها في الحكايات الضمنية‬
  ‫شعري سابق‪ ،‬مبتغيًا استعارة صورة أو اقتباس‬           ‫الصغرى المتناسلة عن الحكاية الإطارية الكبرى‪.‬‬
     ‫جملة أو الإفادة من إشارة ما؛ وإنما هو منتج‬
 ‫يبتدع ن ًّصا جدي ًدا على خلفية نص سابق هو قاعدة‬          ‫وفي قصة (الإقامة على الأرض) نجد المؤلف‬
   ‫لا بد من البناء عليها‪ .‬وليست كل قصيدة تصلح‬          ‫حاض ًرا في القصة بد ًءا من مفتتحها وهو يهدي‬
                                                   ‫نصه للشاعر صاحب القصيدة التي سيتداخل معها‬
                                                   ‫«إلى‪ :‬الشاعر الكبير حسب الشيخ جعفر وذكرى‬
                                                   ‫سنين عجاف طويناها بعذوبة صداقة حميمة»‪،‬‬
                                                       ‫وليس في حضوره تداخل نصي؛ بل هو هيمنة‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17