Page 15 - merit
P. 15

‫‪13‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

‫ميشيل فوكو‬  ‫حسب الشيخ جعفر‬                              ‫شاع ًرا‪ ،‬وانتها ًء بعدوى الوباء التي انتهت به إلى‬
                                                                                     ‫مصير مجهول‪.‬‬
                      ‫َع َب َرت القصة على القصيدة‪.‬‬
            ‫‪ -‬توظيف المنظور الخارجي ‪external‬‬             ‫‪ -‬الذهول والسرحان هما الصفة النفسية التي‬
  ‫‪ perspective‬هو الطاغي على القصيدة «الصبية‬           ‫كررها السارد باستبطانات ومونولوجات داخلية‬
‫الشاحبون المهازيل ينتظرون‪ /‬اهدئي عند جرفك‬           ‫وحوارات حرة غير مباشرة ضمن فضاء تخيم عليه‬
   ‫أيتها الموجة‪ /‬قمصانهم‪ ..‬تخفق الريح فيها‪/‬‬         ‫أجواء القصيدة المرثاة بسطر هنا وأسطر هناك كما‬
    ‫القروي المهاجر‪ /‬جرائد سرية طعمها الخبز‬            ‫في هذا المقطع «ربما لتخفف عني‪ ،‬لا أظنها بهذا‬
   ‫يغمش في الشاي‪ /‬هل يهجر النخلة الطير في‬               ‫الانبساط في أعماقها‪ ..‬أربعون عا ًما وما فتئ‬
     ‫الفجر»(‪ )7‬وهو ما أعطى القصيدة سمة واقعية‬
   ‫وفيها الصوت الحاكي موضوعي بضمير الغائب‬                         ‫يخفق في أطماره القروي المهاجر»‪.‬‬
‫وهو مراقب معزول عن الشخصية التي بينها وبينه‬                 ‫‪ -‬الإقامة بالنسبة لابن جودة تعني المكوث‬
                                                      ‫بتكرار الشاعر هذين السطرين ثلاث مرات داخل‬
                                         ‫فجوة‪.‬‬          ‫القصيدة «استراح ابن جودة هل يذكر السرو‬
  ‫بينما المنظور الداخلي ‪ internal perspective‬هو‬        ‫منحن ًيا‪ /‬فوق قبر ابن جودة طفلين في النخل‬
   ‫الطاغي على القصة وهو ما أعطاها سمة غرائبية‬        ‫يحتطبان؟»(‪ ،)5‬بينما الإقامة تعني لكريم التلاشي‬
  ‫ذات رؤية ملغزة هي عادة ما تكون نفسية داخلية‬        ‫والضياع ولهذا لا يكون ابن جودة مرثيًا مستري ًحا‬
                                                      ‫في القصة بل هو وكريم مرثيان‪ ..‬ومصير الأخير‬
     ‫وتظهر في مشاعر الشخصية وأفكارها النابعة‬             ‫أكثر تعاسة من مصير الأول الذي حظي بقبر‬
    ‫من أزمتها العاطفية من خلال الاستبطان «تملأ‬        ‫بينما كريم لم يحظ بقبر مثله بعد أن صار جثما ًنا‬
    ‫أعماقه راحة‪ ..‬دعة‪ ..‬هناءة‪ ..‬افتقر إليها منذ‬     ‫موبو ًءا لا بد من حرقه «تخرج النقالة من الرواق‪،‬‬
 ‫زمن ضارب في البعد لم تكن (بييرنيتا) السبب‬           ‫يخرج خلفها الملفعان بالأزرق الشفيف‪ ..‬ينفتح‬
 ‫الأوحد لذلك»‪ ،‬أو المونولوج الداخلي «هي ذي إذن‬       ‫فضاء خارجي‪ ،‬تنفتح فسحة لم تستطع عيناها‬
 ‫تسمق بقامتها النحيلة كنخلة عراقية من نخيل‬            ‫المغوشتان بالدمع تحديد حجمها أو أبعادها‪..‬‬

                                                                                     ‫تنفتح جهنم»‪.‬‬
                                                       ‫‪ -‬وإذا كان صدر ابن جودة قد عبث به السخام‬
                                                    ‫المتراكم من دخان القرية الجنوبية؛ فإن صدر كريم‬
                                                     ‫عبث به سوء الطالع ليكون فريسة الجائحة العالمية‬

                                                          ‫كورونا‪ .‬ومصدورية الشخصيتين القصصية‬
                                                      ‫والشعرية تجعل التعالق قائ ًما قصصيًّا على قاعدة‬
                                                     ‫شعرية حيث القصة مستندة على القصيدة‪ ،‬مشكلة‬

                                                         ‫من وراء هذا الاستناد طبقتين بنائيتين‪ :‬الأولى‬
                                                       ‫سطحية هي (المرض) موصولة بعلاقات منطقية‬

                                                                  ‫بالبنية الثانية العميقة وهي (الموت)‪.‬‬
                                                          ‫وبوجود هاتين البنيتين تتحقق عملية التحول‬

                                                           ‫فتتدعم المفارقة التي فيها المحتوى الإدراكي‬
                                                         ‫متضاد ما بين الإقامة على الأرض واللا إقامة‬
                                                       ‫عليها‪ ،‬مما يعطي لرؤية العالم محمولات متوازنة‬
                                                        ‫في البنية والنسيج وبإطار قصصي متناسق(‪.)6‬‬
                                                     ‫وبهذه المفارقة تحررت القصة من تداخلها النصي‬
                                                     ‫بالقصيدة‪ ،‬وصنعت كونها المتخيل الخاص الذي به‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20