Page 16 - merit
P. 16

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪14‬‬

                                                 ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫وصورته وهو يقف أمام شاهدة قبر دحام وتجوله‬         ‫خريسان المنحني سعفه على جرفه الطيني»‪ ،‬أو‬
‫في المقبرة ليرى الموت وقد تكفل بتصفية أهله وندى‬      ‫بالمونولوج الحر غير المباشر «ردد بصوت غير‬
                                                    ‫خفيض كأنه ينوي إسماعها‪ :‬هل يذكر السرو‬
   ‫وهي تغدو سيدة سومرية تنظر في مرآة الجنون‬          ‫منحن ًيا فوق قبر ابن جودة طفلين في النخل‬
  ‫هابطة في مطار برلين كهبوط أورفي‪ .‬وبهذا تكتمل‬
  ‫بنائية التجريب السردي الذي فيه صارت القصة‬       ‫يحتطبان‪ ..‬تطلع في وجهها كأنه يوجه السؤال‬
                                                      ‫لها»‪ .‬ونلحظ هنا التعاكس الزمني بين الماضي‬
                                ‫عابرة للأجناس‪.‬‬
      ‫ومن يتتبع مسيرة جهاد مجيد القصصية لن‬       ‫القصصي بالفعل (ردد) والحاضر الشعري بالفعل‬
  ‫يجد هذا التجريب غريبًا عليه فهو واحد من ثلاثة‬     ‫(يذكر)‪ .‬أو بدرامية المشهد السردي «النار تلفح‬
  ‫قصاصين أثروا هذا الجنس على المستوى العربي‬          ‫وجوه الزبائن خلف منضدة رصف الصمون‬
    ‫وأضافوا إليه إضافات مهمة‪ ،‬منها على المستوى‬          ‫المغطى بالبطانية السمراء‪ ،‬الفرانة العراة‬
  ‫الشكلي تجريب التداخل النصي مطلع السبعينيات‬          ‫يتصبب العرق على أعناقهم وأكتافهم مبل ًل‬
    ‫ثم تجريب التوالي السردي والواقعية الإيهامية‬   ‫فانيلاتهم الملتصقة بأجسادهم‪ ،‬هبة النار ذاتها‬
 ‫منتصف الثمانينيات‪ .‬ومنها على المستوى الثيماتي‬      ‫في جوف الثغرة‪ ،‬دفعا النقالة نحوها‪ .‬تلاقفت‬
‫التوظيف الريادي للتاريخ بمفهومه ما بعد الحداثي‬                           ‫ألسنة النار الشراشف»‪.‬‬
     ‫داخل القصة القصيرة والرواية على حد سواء‬           ‫‪ -‬تداخل بعض سطور القصيدة في تضاعيف‬
                                                      ‫السرد ليس القصد منه الحشو بالتداخل الذي‬
                             ‫الإحالات‪:‬‬              ‫يجعل النص‪ ،‬أي نص‪ ،‬أجزاء من نصوص أخرى‬
                                                       ‫ومن ثم لا دور للمؤلف في نص يصنع نفسه‬
    ‫‪ -1‬كانت القصيدة القاصة في الأصل مصحوبة‬          ‫كتابيًّا(‪ ،)8‬وإنما القصد من التداخل التشفير الذي‬
     ‫بموسيقى يمكن الرقص عليها وكان أوستاش‬               ‫معه تكون القصيدة قاعدة بها ترتبط القصة‬
                                                   ‫متداخلة بسطر أو سطرين في مشهد أو صورة ما‬
        ‫ديشان وشارل دورليان وغيوم دي ماشو‬           ‫وبشكل غير مباشر وبحسب ما يراه السارد من‬
  ‫وفرانسوا فيون أول من أقرها وتتألف من أدوار‬           ‫أهمية للكون القصصي المتخيل الذي يصنعه‪.‬‬
‫من ثمانية أبيات تننهي يقفل من أربعة أبيات‪ .‬وشكا‬        ‫‪ -‬إذا كانت نهاية القصيدة مبنية على التدوير‬
‫بوالوا تصلبها الشكلي لكن موليير الشاعر الفرنسي‬         ‫والتكرار؛ فإن نهاية القصة مفتوحة على ستة‬
                                                   ‫مصائر محتملة وفي واحد منها فقط تتجسد نهاية‬
    ‫(‪1346‬ـ ‪ )1406‬هو الذي أثبت جنس القصيدة‬          ‫كريم الغرائبية‪ .‬في إشارة إلى أن الكون القصصي‬
‫القاصة ووضع أول كتاب في فن الشعر بالفرنسية‪.‬‬
                                                 ‫متسرب من بين يدي السارد لذا تتعدد بنائيته‪ .‬ولو‬
                 ‫ينظر‪ :‬الأجناس الأدبية‪ ،‬ص‪.180‬‬       ‫كان الأمر مقتص ًرا على التداخل النصي وحده لما‬
 ‫‪ -2‬الإقامة على الأرض‪ ،‬جهاد مجيد‪ ،‬مجلة الأديب‬      ‫كانت القصة بنهاية مفتوحة ولبقيت ن ًّصا متنا ًّصا‬
  ‫العراقي‪ ،‬عدد ‪ ،23‬صيف ‪ ،2020‬ص‪.132 -118‬‬                                       ‫مع القصيدة حسب‪.‬‬
 ‫‪ -3‬الأعمال الشعرية ‪ ،1975 -1964‬حسب الشيخ‬              ‫‪ -‬وظيفة القارئ في القصيدة تتجلى في التلقي‬
                                                      ‫الاستهلاكي للمرثية الشعرية مشار ًكا الشاعر‬
   ‫جعفر‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة والإعلام‪ ،‬بغداد‪،‬‬    ‫وجعه وتفجعه بينما وظيفته في القصة استكمالية‬
                                ‫‪ ،1985‬ص‪.153‬‬         ‫من خلال المصائر الستة التي عليه تقدير واقعية‬
                                                    ‫أحدها‪ .‬وقد عزز دور القارئ التناوب بين السرد‬
             ‫‪ -4‬ينظر‪ :‬الأعمال الشعرية‪ ،‬ص‪.351‬‬            ‫الواقعي في التقابل بين المقبرة والمدينة‪ ،‬ندى‬
                    ‫‪ -5‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.263‬‬
                                                 ‫وبييرنيتا‪ ،‬وبيوت الطين ومدن الصقيع وبين السرد‬
‫‪ -6‬بنظر‪ :‬اللسانيات والرواية‪ ،‬روجر فاولر‪ ،‬ترجمة‬      ‫الغرائبي كمشهد كريم ومعه صنوه على الدراجة‬
 ‫أحمد صبرة‪ ،‬مؤسسة حورس للنشر الإسكندرية‪،‬‬

                           ‫‪ ،2009‬ص‪.33 -26‬‬
            ‫‪ -7‬الأعمال الشعرية‪ ،‬ص‪.265 -264‬‬

                 ‫‪ -8‬اللسانيات والرواية‪ ،‬ص‪.192‬‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21