Page 21 - merit
P. 21
كما يم ِّثل المكان عنصًرا محور ًّيا فلاديمير بروب
تو َّظف الشخوص لخدمة هذا
كما نراها لكن دائ ًما توجد حقيقة تراها
العنصر .لا تتطور الشخوص عبر السماء .توجد نظرة من أعلى تعلم كل شيء
وتحرك كل شيء» على حد قول صفي الدين
الرواية تط ُّوًرا دائر ًّيا ،وإنما يغلب نفسه ،فالس َّجان يصير مسجو ًنا ،والمسجون
عليها الاستاتيكية والتس ُّطح وهذا
يغدو ُح ًّرا بطرق لا تخطر على بال.
لا ُيع ُّد عي ًبا في التشخيص الروائي، ويظهر السجن الحسي أي ًضا في حكاية
فالرواية أقرب إلى الفانتازيا، (طاكين) ،ذلك الحاكم المخبول الذي يريد محو
جميع أسماء الأبطال من حكايات التاريخ ووضع
وتستعير أنفاسها في حكايات ألف اسمه بد ًل منها؛ فيحبس إبراهيم الطبيب حتى يعثر
له على دوا ٍء يعيد له الشغف ،ويسجن ر َّماح حتى
ليلة وليلة ،وعليه تبدو الشخوص يق ِّدم له أفضل الحكايات عن «حورة» وأبنائها؛
«فلتح ِك لي حكاية أخرى ،فإن أعجبتني منحتك
أحادية الأبعاد وظائفية السمة وإياه يو ًما جدي ًدا» ،فتتسلط على الس َّجان هنا النزعة
الألوهية التي تدفع به إلى الجنون .وفي المقابل
،archetypeوتحمل سمات طقسية. تمثِّل الحكاية طوق النجاة لر َّماح الح َّكاء ،وهو ما
يتماس مع حكايات «ألف ليلة وليلة» حينما كانت
عليه السلام والحوت .يستخدم الكاتب مفردات الحكايات سبيل شهرزاد لإرجاء موتها؛ «فالحكاية
الموت (ظلمة حالكة -موت مؤجل -غيبوبة -جوع- قوة وثروة» .ولكن على عكس شهريار الذي تعالجه
تعب) ،ويتحول البحر المكان الأليف الذي كان يأنس الحكايات وتهذب نفسه ،يزداد عناد (طاكين) وكبره
وتح ِّديه للأقدار ،بل يطغى ولعه بالحكايات ويصبح
له ر َّماح إلى سجن ثم ينفتح بعد أيام طوال على مهوو ًسا بها ،ثم يكون عزمه على إلقاء الطبيب
عالم آخر واقعي -جزيرة قبرص .يلحظ القارئ إذن والح َّكاء في البحر (مكان مفتوح) فليتقمهما حوتان.
ويتب َّدى سجن حسي جديد في بطن الحوت بعد أن
أن الكاتب ينثر بارقات الأمل والفتوح في آخر كل اجتمعت على إبراهيم ور َّماح ظلمات ثلاث :الليل،
سدة وعند طرف كل حائط مغلق؛ فالأماكن المغلقة البحر ،بطن الحوت ،وهو ما يتما ُّس مع قصة يونس
تنفتح على أخرى أكثر رحابة بعد أن تملك أصحابها
الكآبة واليأس.
-2السجن المعنوي:
الإنسان أسير ما يملك ومن يقرر التخلي والتح ِّل
بالزهد يمتلك كل شيء ،لعل تلك الثيمة هي أكثر
الثيمات تبد ًيا في الرواية ولاسيما وأنها ضمنيًّا
تتقاطع مع الفكر الصوفي وتمثل م ًّدا له في الرواية.
تعرض الرواية للسجن المعنوي الذي يبدو غير
مؤطر بأبواب أو أقفال وإنما يقع في أمكنة مفتوحة
وأحيا ًنا في أشد الأمكنة حميمية كما يتوقع القارئ.
فيرسم الكاتب شخو ًصا ذات أبعا ٍد نفسية مختلفة
وخلفية فكرية مضطربة تجعل السجن المعنوي