Page 26 - merit
P. 26
العـدد 44 24
أغسطس ٢٠٢2 الغيب فشتان بين الاثنين.
ومن هنا سوف نتعمق في الروايتين:
الإرهاب إلى الشهوانية والحكمة .الشخصيات
المجيدة في الرواية عند الليندي :العرافون، قنديل من الشرق ..وقنديل من الغرب:
الثوريون ،وقبل كل شيء ،المرأة الفضولية التي نبدأ برواية باولا ،باولا كما ذكرت هي ابنة إيزابيل
تتطور من خلال السرد ،تملأ هذه السيرة الذاتية، الليندي التي توفيت سنة 1992بعد معاناة وآلام
التي أنشئت باعتبارها واحدة من أفضل أعمال من مرض الفيرفيرين -هكذا ترجمه صالح
الليندي. علماني ،-وكانت إيزابيل ترافق ابنتها ذات الـ28
عا ًما عندما توفيت في المستشفى ،فتقول إيزابيل
فقد قدمت الكاتبة صورة للمرأة والأم القوية على
حد سواء ،فكان يجب أن تتقبل يوميًّا فكرة أنها في بداية الكتاب «قد كتبت هذه الصفحات خلال
ستفقد ابنتها نتيجة مر ٍض خف ٍّي وغام ٍض ،فجميع ساعات لا حصر لها أمضيتها في ممرات المستشفى
الأطباءيؤكدون أنها ستموت ،أخبروها أن تتركها،
ولكن أنانيتها المشروعة كأم ترفض تلك الحقيقة، في مدريد وفي غرفة في فندق عشت فيه شهو ًرا»
وهنا تضعنا الكاتبة أمام أمرين :إما أن تنساق خلف (الليندي ،1994 ،ص ،)5فالرواية تعتبر سيرة
الخرافات وتتشتت في الجهل والخرافة كي تنقذ ذاتية لأم تعاني من آلام لفقد ابنتها ،والرواية هي
ابنتها ،أو تتجاوز تلك المأساة بالحب غير المحدد رسالة تدون فيها تفاصيل حياة أسلافها ،ومن ثم
حياتها هي ،وتاريخ تشيلي بالتغيرات السياسية
كأم. والاجتماعية التي طالته في السبعينيات ،ودفعت
يتم تقدير هذه القيمة بقوة كبيرة في نهاية الرواية، بإيزابيل إلى الفرار إلى فنزويلا والعيش هناك
فترى إيزابيل أن بولا لن تكون هي نفسها كما لسنوات طويلة.
كانت من قبل إذا نجت ،ولكن الشيء الأكثر أهمية نحن بصدد رواية لأم تواجه الموت التدريجي
هو أنها يجب أن تقبل بولا للموت حتى تتمكن من لابنتها ،في البداية هي ترفض الفكرة وتحاول
إطلاق روحها ،وتكون قادرة على عبور عتبة الموت إنقاذها من الموت بكل الوسائل ،ونتقبل ذلك لأن
هذا مظهر من مظاهر الامومة ،فتحكى الليندي «لقد
والخطوة الأخيرة في حياتها. حددت الأمومة جميع القرارات المهمة من طريقي».
أما «قنديل أم هاشم» فتقدم كل ما يدخل في إطار
(الليندي ،1994 ،ص.)6
الغيبيات ،ويؤمن به الناس بدون محاولة منهم في البداية تقاتل الأم ضد الموت ،ولديها أمل أن
لإثباتها علميًّا ،ولها عدة أنواع :منها ما يتعلق ابنتها تستعيد وعيها ،هكذا تخاطب ابنتها اللاواعية:
بالعلاقة مع الجن والشياطين والتداوي من المس “أين أنت يا بولا؟ كيف ستكون عندما تستيقظ؟
الشيطاني ،مع أن حديث القرآن عن المس الشيطاني هل سيكون لديك ذكرى أم سأخبرك بصبر عن
يعني فقط محاولته الوسوسة والإضلال للبشر، ثمانية وعشرين عا ًما من تاريخك؟ فعل الأم حتى
وحديث القرآن عن الشفاء يعني أي ًضا الهداية، الموت يمر بمراحل مؤلمة .إنه يبدأ بالخوف ورفض
ويدخل في ذلك طب ًعا الدجل بالسحر الأبيض الموت والألم ،وأخي ًرا الوعي بأنها حقيقة أنجزت
والأسود ،مع أن السحر في مفهوم القرآن لا يعني بالفعل .نفس الليندي يحلل عملية مواجهة الموت :في
سوى الخداع البصري والتأثير على بعض الناس، البداية تدافع عن نفسك ،إنه يركل ويقاوم وينكره
وذلك ممكن بدون ادعاء الدجل بالسحر ،ويدخل في ويرفضه ويغضب ،ولكن الألم دائ ًما في النهاية يفوز
ذلك الاعتقاد بأن الحسد يوقع الضرر بالمحسود،
مع أن معنى الحسد في القرآن هو الحقد الذي لا ويدك دائ ًما”( .الليندي ،1994 ،ص.)7
يضر إلا الحاسد نفسه ،ثم هناك خرافات دينية الليندي تستكشف الماضي ،والنتيجة هي رواية
كالاعتقاد في الأضرحة والشيوخ وكراماتهم، سحرية تأخذ القارئ من البكاء إلى الضحك ،من
وادعائهم المنامات والوحي وعلم الغيب ،وهم
يتاجرون بهذه الادعاءات ويكسبون بها الأموال
والجاه.