Page 31 - merit
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
باللقطات السينمائية دون تدخل من الراوي يك يعرف هؤلاء أن نا ًرا متأججة وشيكة خلف
بالتعليق على الأحداث ،وساعد على ذلك اختياره الرماد ستطيح بالرؤوس.
المشهد الثالث:
لضمير الغائب في سرد المشاهد ،هذه اللقطات
السينمائية تجمع كل خصائص العالم الكبير عنوانه (البيد) واختيار اللفظة يوحي بحالة
المضطرب قبل ثورة المدثر ،فكأنه بذلك قد غربل من الإبادة وامتناع الحياة؛ فما سميت البيداء
التاريخ بحوادثه الكثيرة ،وأزاح الستار عن
المشاهد التي تحمل رسالتة الشعرية ،فتنقدح إلا لأنها تبيد سالكيها وهم يضحكون ملء
بها الدلالة لدي المتلقي ،وكأن اللقطات المنتقاة أشداقهم ،تستغرق التجارة حياتهم ،يعيشون
نوافذ بصرية نستطيع من خلالها أن نطل على الحياة كما يحلو لهم ،يقيمون الحروب ويسلون
تلك الحضارات من منظور القصيدة التي جعلتنا السيوف ويسفحون الدماء لنعرات جاهلية تدور
مشاهدين للتاريخ التخيلي كأنه واقع معاش.
فثلاث لقطات متجاورة منفصلة ومتصلة في آن حول الأنساب ،يعبدون ر ًّبا من عجوة يملأ
لا يربطها رابط ولا يجمعها خيط دلالي ناظم، أكفهم يأكلونه ويأكلهم ،وعبر بالجمع لتعدد
وقد اتضح هذا الانفصال بين المشاهد فنيًّا على الأرباب وكثرتها التي كانت سببًا من أسباب
مستوى النقلات السريعة في المكان (روما-
الفرس -العرب) وغياب القافية غيا ًبا تا ًّما وهي التنازع والتناحر.
المرجع الذي يربط أسر النص .وهذا الانفصال ونري المرأة مختلفة بين المقطعين ومختفية
في المقطع الثالث ،فالفتاة في المقطع الأول فتاة
الفني يتفق تما ًما مع الانفصال المضموني، مضافة إلى القصر وموزعة بين قيصر والمسيح،
فبعثرة المشهد بشكل تفنى يعزز دلالة الأرض بينما في المقطع الثاني المرأة متحللة عارية وقد
جعلتها القصيدة رمو ًزا فنية تحدد بها الفلسفات
المفككة الأوصال الساقطة في حمأة الضياع الكامنة في كل حضارة ،والتوجه الروحي لها،
والانهيار ،فالعالم في احتياج إلى من يربطه وقد أضمر النص ذكرها في المقطع الثالث لما
بإنسانيته أو ًل ،وإدارة شؤونه ثانيًا ،وهذا يدل كان من وأد النساء عند العرب ،وكان غيابها في
على تعانق الفني والدلالي داخل النص ،ولقد
نجح الشاعر في الربط بين تلك اللقطات من القصيدة نو ًعا من غيابها في الواقع.
خلال تقانة التوليف (المونتاج) ،وهو السياق
الكلي الجامع المضمر ،وهو شكل العالم قبل ثان ًيا :البناء الفني والدلالة
(ثورة المدثر) ،وقد ربط بين
هذه المشاهد من خلال تقسيم في المقطع السابق -أو ما أطلقت عليه الجملة
النص إلى زمنين( :قبل -وبعد) الشعرية الطويلة لما لها
وبين بلاغتين :بلاغة الاختيار
والإضمار وبلاغة التوليف من خصائص متشابهة في
التي صنعت من خلال اللقطات النسيج الفني والتقني-
الثلاث جملة شعرية تفصيلية
أسلمتنا إلى جملة أخري نجد الشاعر قد اتخذ موقع
خاطفة موجزة تتفق في الدلالة الراوي أو السارد الوظيفي
وتختلف مع اللقطات السابقة الذي يبتعد عن الدخول في
في أسلوب السرد: الحدث ،بل يترك مسافة
الأرض توغل في الظلام بينه وبين ما يرويه ،فجاء
الأرض توشك أن تفوح نق ًل محاي ًدا وسر ًدا مشهد ًّيا
تساوى زمن السرد فيه مع
زمن الأحداث ،وجاءت هذه
الجملة في صورة مشهدية
ذات خطاب بصري أشبه
حاتم الأطير