Page 36 - merit
P. 36

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪34‬‬

                                                      ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

  ‫هذاءات الغيرة على زوجته‪ ،‬يقول له الكاتب «لماذا‬        ‫شخصية بطبيعة الأحكام التي يصدرها الآخرون‬
     ‫لا تعترف بأنك فكرت في أن ذلك الشاب ربما‬            ‫من حيث كونها إيجابية أو سلبية‪ ،‬اتضح ذلك في‬
                                                      ‫قصة «فردوس» البنت قبيحة الوجه‪ ،‬بالغة النحافة‪،‬‬
 ‫سينادي عليها من نافذته وينظر إليها بعينيه وهي‬
 ‫جالسة أمام البيت‪ ،‬ولأنها تريد أن تبيع‪ ،‬فستحمل‬              ‫القصيرة ج ًّدا‪ ،‬التي «أحست أن الجميع ينظر‬
 ‫البرتقال إليه‪ ،‬ولكن ربما كان عليها أن تتذكر أنك‬         ‫إليها في الشارع‪ ،‬سمعت امرأة تضحك في شرفة‬

     ‫حذرتها وضربتها حتى لا تحمل البرتقال إليه‬              ‫فوق رأسها تما ًما فتوترت‪ ،‬أسرعت في مشيها‬
 ‫فوق»‪ ،‬هو نفسه الذي يعاني (وهم الفحولة) الذي‬            ‫وهي تنظر إلى الأرض‪ ،‬عبرت خلف ظهرها مزحة‬
‫اتضح في تعبئة «الخوخ» بدي ًل عن «الموز» للزبون‪،‬‬
                                                          ‫قالها رجل على مقهى فأحست بكتفيها يؤلمانها‬
     ‫حيث يقول له الكاتب‪« :‬وأنت تنظر إلى السيدة‬            ‫مرة أخرى‪ ،‬تمتمت داعية أن يقترب البيت‪ ،‬وأن‬
     ‫التي وقفت ت ًّوا في البلكونة المقابلة لك‪ ،‬تذكرت‬       ‫يمر كل شيء سري ًعا»‪ ،‬والتي رغم ذلك تمازح‬
   ‫حين صعدت إليها حام ًل كيس الفاكهة وسمعت‬             ‫أمها‪ ،‬وتخبرها بضرورة شراء مرآة؛ ولأن (هوية‬
    ‫خطواتها تقترب‪ ،‬فارتبكت‪ ،‬وحين فتحت الباب‬              ‫الجسم) هنا «هي الصورة الذهنية التي تتضمن‬
  ‫وابتسمت أصابتك قشعريرة‪ ،‬وحين تناولت منك‬                ‫الخصائص الوظيفية الحيوية‪ ،‬وإدراك الإنسان‪،‬‬
  ‫الكيس حملته إلى الداخل‪ ،‬وأنت فكرت أن تدخل‪،‬‬
 ‫وفكرت في كل شيء‪ ،‬فكرت وتوتر جسدك‪ ،‬ولكن‬                       ‫واتجاهاته نحو هذه الخصائص»(‪ ،)1‬يمكننا‬
    ‫في النهاية لم تفعل أي شيء»؛ ولأن (الهذاءات)‬         ‫اعتبارها المكون الأساسي لـ(مفهوم الذات)‪ ،‬كان‬
 ‫تستعين بالميكانيزم الهلوسي (الهيستيري) هرو ًبا‬         ‫فشل «فردوس» في خفض التوتر مؤد ًيا إلى سوء‬
‫للتخلص من (الاضطهاد)‪ ،‬كان سقوط بائع الفاكهة‬           ‫التوافق النفسي كنتيجة منطقية لعجزها عن تحقيق‬
   ‫على الأرض أكثر من مرة في القصة‪ ،‬متزامنًا مع‬
    ‫هروبه من عربة البلدية‪ ،‬يقول له الكاتب «كنت‬              ‫الأهداف التي قد لا تتفق ومعتقدات الجماعة‬
     ‫تعرف أن أصحاب دكاكين الفاكهة الكبيرة في‬           ‫السيكولوجية؛ ولأن الحياة النفسية تبدأ بالمستوى‬
    ‫الشارع ينظرون إليك بكراهية»‪ ،‬لينقلنا الكاتب‬        ‫الخيالي حيث وهم القدرات المطلقة‪ ،‬التي يعالج بها‬
    ‫من (اضطرابات التفكير) و(الهلاوس) المتصلة‬          ‫الإنسان نقصه‪ ،‬يظل (الدال الواقعي) هو المستحيل‬
    ‫بالأحاسيس الجسمية التي سيطرت على «بائع‬            ‫الذي تنشده (الذات)‪ ،‬تحب «فردوس» جارها «علي»‬
 ‫الفاكهة»‪ ،‬والمرتكزة على الشعور بالعدائية والشك‪،‬‬       ‫وتكتب له «علي‪ ،‬أنا أحبك‪ ،..‬ليس كما تحب البنات‪،‬‬
   ‫إلى إسقاط تلك الأفكار والمعتقدات على (الآخر)‪.‬‬
      ‫أي ًضا ثنائية الآخر‪ /‬الظل‪،‬‬                               ‫هل تستطيع سماعى‪ ..‬هل أنت منصت؟»‪.‬‬
 ‫اتضحت في قصة «رقة القلوب‬                              ‫وفي قصة «الراحة النفسية لبائع الفاكهة» اتضحت‬
   ‫البيضاء»‪ ،‬لنرى ذلك التماهي‬                           ‫هذاءات (الاضطهاد‪ /‬الغيرة) لنجد أن هناك حالة‬
    ‫بين الرجل الذي يحمل دمية‬
     ‫الأراجوز من أجل إضحاك‬                                                    ‫من التشتت والتشظي في‬
     ‫الأطفال‪ ،‬يقول عنه الكاتب‪:‬‬                                                ‫اطار حال الاضطهاد‪ ،‬فها‬
   ‫«ضحك الأراجوز مرة أخرى‬                                                   ‫هو الرجل الذي «انتهى من‬
      ‫فابتسمت عين العجوز في‬                                                  ‫معاينة وجهه في المرآة‪ ،‬أو‬
   ‫أعماقها والذي انتبه أنه يقف‬                                                ‫هكذا تصور بائع الفاكهة‬
‫أمام مرآة»؛ ولأن الإنسان الذي‬                                                ‫لأنه لم تكن هناك أية مرآة‬
‫يعاني من سوء التوافق النفسي‬                                                    ‫على الإطلاق‪ ،‬فقط حائط‬

      ‫والاجتماعي تسيطر عليه‬                                                     ‫من طوب بارز»‪ ،‬يهرب‬
   ‫(الوحدة النفسية)‪ ،‬و(القلق)‪،‬‬                                                 ‫إلى (النسق الخيالي) من‬
                                                                             ‫خلال ميكانيزم (الإنكار)‪،‬‬
                                                                                ‫فيعيده الكاتب من أجل‬
                                                                            ‫إعمال العقل‪ ،‬ومواجهة ذاته‬
                                                                             ‫المنشطرة‪ ،‬فهو الذي تنتابه‬

                                                          ‫محمد عبد المنعم زهران‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41