Page 38 - merit
P. 38

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪36‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

 ‫على فكرة‪« :‬إنني أكرهك لأنك تمثل ما ُيكرهنِي في‬          ‫على المتلقي يع ُّد عام ًل على إعادة البناء بهدف‬
‫نفسي كموضوع»‪ ،‬هنا تلعب خبرة شعور الإنسان‬              ‫عدم الخلط بين عالم الخيال وعالم الواقع‪ ،‬كانت‬
                                                    ‫حالة التماهي العاطفي بين الذات والآخر في قصة‬
             ‫بالتهديدات دورها في انقسام الذات‪.‬‬     ‫«سحابة من البكاء»‪ ،‬حيث الشخصيات غير القادرة‬
    ‫بينما نجد (الاستدعاء) من الماضي‪ ،‬مع سيادة‬      ‫على استخدام الرموز التي تجد خلاصها باستدعاء‬
 ‫حالة من (البلادة النفسية) تهيمن على بطل قصة‬        ‫(المكبوتات)‪ ،‬يقول بطل القصة‪« :‬انتابتني رغبة في‬
                                                     ‫أن أكون ذلك الرجل البسيط‪ ،‬الفلاح الذي يجلس‬
     ‫«طيور الجسم الرائعة»‪ ،‬مع فقدان التعالي في‬       ‫مترب ًعا في داره مستن ًدا إلى حائط‪ ،‬مبتسما بوجه‬
     ‫العلاقات‪ ،‬فهناك حالة من التمزق بين (الأنا)‬     ‫أسمر رائق كسحابة‪ ،‬وتمنيت بشدة‪ ،‬تمنيت كحلم‬
  ‫و(الآخر)‪ ،‬لذلك يقول‪« :‬ودارت في رأسه إمكانية‬         ‫أن يرفع أحد النائمين رأسه ويغني م َّوا ًل ريفيًّا‪،‬‬
 ‫إزالة ما يحيط بالبيت‪ ،‬بل وإزالة بقايا كل البيوت‬      ‫أو أن يخرج من جلبابه نا ًيا ويعزف لحنًا حزينًا‬
     ‫والشوارع‪ ،‬وبنائها من جديد‪ ،‬وتشكلت أمامه‬        ‫يصعد إلى السماء»‪ ،‬كأن (الرغبة) في حقيقة الأمر‬
‫ملامح لبشر يأتون ويسكنونها‪ ،‬يقفون بالشرفات‬           ‫(رغبة في رغبة آخر)‪ ،‬انطلا ًقا من كون (المستوى‬
  ‫في المساء‪ ،‬يلوحون بأيديهم‪ ،‬وقد تكون عجوز في‬      ‫الرمزي) في الكتابة هو الذي يخلق وجو ًدا للإنسان‬
 ‫حديقة‪ ،‬تربت على كتفه وتمشي‪ ،‬يضع رأسه على‬           ‫في الواقع دون أن يخلق الواقع ذاته‪ ،‬يقول البطل‪:‬‬
 ‫صدرها ويحدثها بأشياء كثيرة في داخله‪ ،‬فتضمه‬           ‫«وفجأة لم أشعر إلا بها بين ذراعي وقد أراحت‬
  ‫أكثر»‪ ،‬هذا البطل الفصامي ليس لديه (انا)‪ ،‬فهو‬        ‫رأسها على كتفى‪ ،‬ملتصقة كطفل خائف تذكرت‬
   ‫متوحد مع لا أحد‪ ،‬واغتراب الرغبات لديه ناتج‬         ‫الحقول حولنا‪ ،‬والهواء الذي يندفع من النافذة‪،‬‬
    ‫عن مركزية الرمز بين مادية الجسم ومعنوية‬
     ‫الذات‪ ،‬كما نلاحظ (الأوضاع التخشبية) التي‬            ‫وفكرت أن هذه الفلاحة بإمكانها أن تجعلني‬
   ‫تؤثر سلبًا على حياته‪ ،‬يقول عنه الكاتب‪« :‬جلس‬         ‫أجري‪ ..‬أجري في الحقول‪ ،‬وفقط أجري‪ ،‬كطفل‬
‫منكم ًشا ملتص ًقا بالحائط‪ ،‬يتلفت في بطء وينظر إلى‬   ‫مبتسم يرتدي جلبا ًبا‪ ،‬أذهب إليها‪ ..‬أسفل شجرة‪،‬‬
‫الأشياء بعينين حادتين‪ ،‬ويمر وقت ويكون قد زاد‬          ‫فتضحك وتبسط يدها المملوءة بالفول الأخضر‪،‬‬
 ‫في انكماشه‪ ،‬وتهبط رأسه وتكاد أن تختفى‪ ،‬حتى‬          ‫آكل من دون تفكير في أي شيء‪ ،‬آكل»‪( .‬الشبقية‬
   ‫يتبدى في النهاية كتلة لا تحمل أي ملامح لكائن‬      ‫الذاتية) هنا مع إعادة التركيز على تبادلية (إعلاء‬
                                                   ‫الليبدو)(‪ )3‬هي نقطة ارتكاز القصة‪ ،‬تلخي ًصا لفكرة‬
                                       ‫محدد»‪.‬‬
 ‫في قصة «العجوز محار ًبا»‪ ،‬الكلمة الأولى لـ(سوء‬                    ‫الإنسانية التي يدعونا لها الكاتب‪.‬‬
                                                       ‫تحدثنا قصة «سيدة الماء» عن ميراث التعاسة‪،‬‬
        ‫التوافق)‪ ،‬وما نتج عنه من مشاعر الحزن‪،‬‬
‫واضطراب الحياة الانفعالية‪ ،‬وعسر المزاج‪ ،‬بالتالي‬          ‫وسيطرة (القلق الاضطهادي)‪ ،‬فبطلة القصة‬
 ‫كانت محاولات بطل القصة للتعبير العدواني عن‬          ‫«هالة» التي لم تنتحر مع حبيبها «من حين لآخر‬

  ‫الذات من خلال تبني الفكرة القائلة‪« :‬كن ذئبًا لا‬       ‫كانت تفتح عينيها وترى رقا ًبا مدلاة نحوها‪،‬‬
   ‫تأكلك الذئاب»‪ ،‬لكنه أسقط صورة ذاته السلبية‬          ‫رأت وج ًها يشبه وجه أمها‪ ،‬ووجها يشبه نورا‬
 ‫وعجزه على الذئب أي ًضا‪ ،‬يقول الكاتب عنه‪« :‬كان‬         ‫أختها»‪ ،‬والتي يعنفها والدها فتفر هاربة يقول‬
                                                    ‫عنها الكاتب «كان يلوي ذراعها ويشتمها‪ ،‬أحست‬
     ‫ذئبًا عجو ًزا‪ ،‬عرف ذلك من حركاته المتباطئة‪،‬‬      ‫برذاذ يخرج من فمه‪ ،‬رذاذ مائي كريه الرائحة‪،‬‬
‫وجلده الذي يهتز لدى كل حركة‪ ،‬وشعر على نحو‬
                                                          ‫نتنًا» للدخول النصي في دائرة (اضطرابات‬
     ‫مفاجئ بأن الذئب وحيد‪ ،‬بدا كمن فقد وليفته‬      ‫التفكير) كأن (الاضطهاد المنظم) سبيل الشخصية‬
  ‫من بعيد»‪ ،‬نلاحظ أي ًضا (صورة الذات السلبية)‬
                                                       ‫للدفعات (الليبدية الهدامة)‪ ،‬برع الكاتب هنا في‬
    ‫الدالة على الاضطرابات التي تسيطر عليه فيما‬         ‫رصد العلاقة المتدهورة بالأب جزئيًّا في سياق‬
  ‫يخص إدراكه لعجزه‪ ،‬مع سيادة مشاعر الحزن‪،‬‬            ‫من التسلسل السردي‪ .‬والحوار في القصة ارتكز‬
  ‫والارتباك‪ ،‬والقلق تجاه أحكام الآخرين‪ ،‬فيقول‪:‬‬
   ‫«وبالليل حين يتركونه وحي ًدا في حجرته‪ ،‬تصل‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43