Page 37 - merit
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
تهبط ببطء ولزوجة ،تلتحم بالأرض ،بعدها بدأنا ومشاعر الحزن ،فيلجأ إلى الأساليب غير الواقعية
نسمع أصوات ارتطامات متوالية مكتومة ،وغير كأحلام النوم ،وأحلام اليقظة ،نراه كما يقول
مصحوبة بأي غبار» ،وكأن الاستنطاق اللاكاني
الكاتب« :مشي في ابتهاج ورأى نفسه من جديد،
لتفسيرات رؤى الحالم الفرويدية وولوجه في شا ًّبا يحمل أراجو ًزا ،يضحك الناس فيحبونه»
قلب اللغة جعل للعمليات اللاشعورية من قبيل
(التكثيف) و(النقل) وج ًها لغو ًّيا ،حيث ظهرت ليبرر لنا الكاتب حال الانقسام بين العالم الخارجي
مفاهيم الاستعارة والمجاز ،نلاحظ هنا (فصام والعالم الداخلي للشخصية ،ذلك الانقسام الذي بدا
النص) الذي اتسم بهلاوس الشخصيات السمعية، أي ًضا في قصة «في هدوء» حيث العلاقات المفككة،
وضلالات الاضطهاد أو العظمة أو كليهما ،والكيفية وضبابية الرؤية ،فالرجل ليس رج ًل ،والحي ُيلدغ
التي أثر بها على الأداء المعرفي المزاجي للشخصيات
في تعاطيها لفكرة مئذنة الجامع العتيق .يقول ليموت وهو يراقب موت الآخر ،يقول الكاتب:
البطل« :وكنت أعرف أن ك ًّل منا يفكر في شيء «الصراخ الذي يصدر عن الرجل الذي يتلوى من
محدد ،من يفكر في الكنيسة الذهبية ،التي بنى الألم أسفل الشجرة يشبه صراخ امرأة تتلوى في
الجامع على أنقاضها ،ومن تمر أمام عينيه أطياف ألمها» ،بينما يتوحد -أعني الكاتب -بالطفل الصغير
الخبيئة الفرعونية ،وآخر يرنو إلى ذلك السرداب فيقول« :في الصباح ،نهض الولد ومشي في بكاء
السري الذي يؤدي إلى الصحراء» .أي ًضا جاء خافت ،واختفى ،كنت أريد أن أعرف ماذا سيحدث
الخوف من الخصاء الذي يسببه توجس الأب
داف ًعا نفسيًّا للطفل ،الذي عبر عن ذلك ضمنيًّا لو كنت حزينا لأنني سأعود وحيدا؟» ،نلاحظ
هنا أن علاقة الطفل بشخصية الرجل والمرأة التي
من خلال ميكانيزم (التبرير) ،يقول الكاتب: تشبه الرجل من ناحية ،وتوحدية الكاتب بالطفل
«فيما وراء الجامع ،يمتد الفضاء الترابي للمقبرة في علاقتهما بالواقع من ناحية أخرى ،مرتكزة في
القديمة ،تثير الرياح الغبار ،وتتمايل أشجار التوت،
بؤرة واحدة فقط سوداوية ،هي بؤرة الانتقام،
فتتساقط الثمار في غير نضج ،يقول الناس إن بناء على ذلك قام الكاتب بمحاولة ملء الفراغ بـ
لحوم الصالحين تنبت تو ًتا ولحوم الماجنين تنبت
(النسق الهذياني للسرد).
الز ُّقوم». ولأن (مستويات الدال) حددها «جاك لاكان»
في الواقعي ،والرمزي ،والخيالي ،فقد تكونت
ثان ًيا :الموت وفلسفة التفكيك النصي (الأنا) من خليط (التوحدات الخيالية) في قصة
«العتيق» ،ليأتي انقسام الأنا كنتيجة منطقية لسلطة
«كان على الروح الآن أن تخرج من المكان نهائيًّا ،إلا وتوجسات الذات الأبوية ،يقول الطفل بطل القصة:
أن الأمر فاجأها تما ًما ،الحجرة مغلقة بصرامة»؛ «شعرت بخوف أرعد جسدى ،فتحت الباب ،وكان
لأن المستوى الخيالي في الكتابة السردية هو ظلا ًما ،أبي يصلي في غرفته ،صوته كأن له ذبذبات
الطريق المنطقي إلى المستوى الرمزي ،كان على تملأ البيت ،جزعة ،ولها رنة مكتومة»( .الاستعارة
الكاتب في قصة «حيرة الكائن» أن يرمز لموت الأبوية) هنا اتضحت في سلطة الأب الممثل للقانون،
(الذات) معنو ًّيا بموت (الآخر) ،اتضح ذلك في من خلال عناصر القانون :المثال ،الوعد ،لنعرف
سيطرة القلق على بطل القصة عندما أدرك غياب
الموضوع وهو صديقه ،يقول الكاتب« :رأت الروح الكيفية التي صاغ بها الكاتب الأنا الهلامية
ملامح صديقه ،جاءت من فراغ ليس له آخر»، المغتربة ،التي تجد خلاصها في لغة الأحلام ،يسرد
نلاحظ هنا الكيفية التي تتمركز بها (الاستعارة)
في نقطة محددة يمكننا فيها استنتاج المعنى من لنا الكاتب حلم الطفل قائ ًل« :في البداية تهاوى
اللامعنى()2؛ ولأن إسقاط الكاتب معاناة شخوصه الجامع ،وصاحب ذلك صرخات مرعبة ،وبرق كان
كأنما يضيء من جوفه ،هبطنا إلى الشارع في فزع،
تجمعنا في ساحات واسعة ،كنت أرى الحوائط
الطينية تتشبع بالمياه ،ثم تبدأ في الذوبان والتحلل،
كل الناس نزلوا إلى الساحات ،يراقبون بيوتهم