Page 20 - merit
P. 20

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪18‬‬

                                                        ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

‫الحقيقية‪ .‬وعليه‪ ،‬فالكاتب يبحث في‬                                       ‫ساحة الاستقلال في تونس‬
 ‫أصل الحكاية نفسها متج ِّردة من‬
 ‫زمن حدوثها؛ ويكاد يكون الجزم‬                            ‫من الذي يمتلك السلطة‪ .‬كنص روائي‪ ،‬تأبي «أبناء‬
     ‫بأن النص يسعى للتحرر من‬                                 ‫حورة» الخضوع إلى أعراف وقواعد الزمن في‬
  ‫كل سلطة ممكنة (سلطة الزمن‪-‬‬                                ‫النص الروائي‪ .‬فالكاتب لا يلبث أن يضع كثي ًرا‬
    ‫سلطة الشخوص) بما في ذلك‬
 ‫طريقة تلقي القارئ نفسه للنص‪.‬‬                             ‫من الألفاظ الحديثة والأحداث التي لا تنسجم مع‬
 ‫إلا أننا بصدد الوقوف على سمات‬                            ‫الأجواء التراثية والعجائبية في الرواية أو العكس؛‬
  ‫المكان الجبري أو السجن في هذا‬                         ‫فهو يشير إلى البلدان في الوقت الحاضر بأوصافها‬
  ‫النص وعلاقته بالسعي ‪،quest‬‬                              ‫وأسمائها القديمة‪ ،‬يقول «أصاب سهم الوباء بلاد‬
‫سعي سائر الشخوص وراء الكنز‬                              ‫الرومان وحول مدنها إلى مدن رعب‪ ..‬ودخل الوباء‬
    ‫المعرفي الذي تركه أبناء حورة‬                        ‫بلاد الأندلس وهاجم أي ًضا مملكة اليهود والمحتلين‬
                                                        ‫فيها من عرب وجبابرة ودخل بلاد فارس وهاجمها‬
‫وانقسامهم في هذا الصدد إلى طيب‬
   ‫وخبيث‪ :‬طيب يسعى لحمايته‪ ،‬وخبيث يقاتل من‬                      ‫بضراوة جعلت كسراها المعمم يصرخ بأن‬
                                   ‫أجل سرقته‪.‬‬            ‫الفيروس صناعة بشرية في بلاد الخمسين نجمة»‪.‬‬

‫وهنا يمكن تقسيم السجن إلى نوعين‪ :‬سجن حس ٍّي‬                ‫ففي هذا الاقتباس إشارات إلى إيطاليا وإسبانيا‪،‬‬
                                ‫وسجن معنو ٍّي‪.‬‬               ‫إيران والولايات المتحدة بألفاظ تراثية رغم أن‬

                            ‫‪ -1‬السجن الحسي‪:‬‬              ‫الحدث مستقبلي من الخيال العلمي‪ .‬وأحيا ًنا يشير‬
   ‫هو المكان المغلق الذي يبدو يمنح السجن سماته‬              ‫الكاتب إلى الحربين العالميتين داخل ذلك الحكي‬
    ‫المكانية ويتش َّكل فيه فضاءان متقابلان (القمع‪-‬‬
    ‫الحرية)؛ فيوحي المكان المغلق ولاسيما السجن‬           ‫التراثي؛ فيقف المتلقي مرتب ًكا حول زمن الأحداث‪،‬‬
     ‫بالتأزم والاختناق‪ .‬والفضاء المغلق هو المهيمن‬           ‫فلا يعلم أهو في الماضي‪ ،‬الحاضر أم المستقبل؟‬
                                                           ‫ومن ثم يفقد الزمن سلطته على الأحداث ويخلق‬
      ‫على أجواء الرواية وهو ما يخدم منطق القمع‬
     ‫والاستبداد وترك الشخصية معلَّقة بين الحياة‬          ‫زمنًا خا ًّصا بالرواية لا يمكن وضعه على الخريطة‬
   ‫والموت‪ .‬إلا أ َّن السجن الحس َّي في تلك الرواية له‬    ‫الزمنية بأي حال من الأحوال‪ ،‬يقول أبو شوال «لا‬
  ‫سمات مغايرة؛ فالشيخ صفي الدين الذي يز ُّج به‬            ‫تفزع‪ ،‬في رحلتنا قد نمر بأماكن لا تشبه الأماكن‪،‬‬
  ‫(الحاكم أمجد) بدولة اللاجئين إلى السجن عندما‬            ‫وأزمنة لا تشبه الزمن الذي نعرفه‪ ،‬فلا تفزع ولا‬
     ‫رفض إعلان عصيان حور ونور ومن تبعهما؛‬
   ‫لا يغدو سجنه سجنًا بالمعنى الحرفي‪ ،‬بل فرصة‬              ‫تسأل»‪ .‬فالأحداث خارج الإطار الزمني المعروف‬
     ‫للهرب عبر إحدى كراماته التي تنقله إلى مكان‬            ‫لدى القارئ وإن كانت تع ُّج بالإحالات التاريخية‬
    ‫مفتوح (غابة المنى حيث ُعش حورة)‪ .‬ومن ث َّم‪،‬‬
  ‫يبدو هذا المكان المغلق مفار ًقا‪ ،‬فهو ليس خان ًقا بل‬
 ‫بالعكس يصبح الس َّجان هو المأزوم نفسيًّا ومتوتر‬
    ‫وجدانيًّا ويحمل الأفكار المش َّوشة وإن كان بين‬
  ‫جنوده وقصره الواسع‪ ،‬فبعد قتل (الحاكم أمجد)‬
  ‫لحارس صفي الدين أثناء ورديته ارتمى (الحاكم‬
      ‫أمجد) «يلهث مرعو ًبا وقد أدرك فداحة ما هو‬
   ‫مقد ٌم عليه»‪ .‬فتتب َّدل الأدوار إذن على هيئة كرا ٍس‬
‫موسيقية‪ ،‬وتتبدل الأدوار فيه «فليست الأمور دائ ًما‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25