Page 254 - merit
P. 254

‫العـدد ‪44‬‬                         ‫‪252‬‬

                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

    ‫وحتى في ملامح الوجه‪ ،‬ربما‬                    ‫أحمد بهاء الدين‬           ‫تغيي ًرا جذر ًّيا‪ .‬أطلق الصحافي‬
   ‫يكون نوع الغذاء هو ما يجعل‬                                             ‫النابه أحمد بهاء الدين عليه أنه‬
   ‫ملامح الفقر متشابهة‪ ،‬أو المياه‬      ‫تلك المرأة التي حملت خطأً في‬     ‫«انفتاح سداح مداح»‪ ،‬فض ًل عن‬
   ‫الملوثة التي يشربونها‪ ،‬يطمس‬     ‫موقف تراجيدي‪ .‬إنه يتعلل بالبقاء‬      ‫تجريف ثقافة وطنية كانت توجه‬
‫ملامحهم ضيق الحياة‪ ،‬أو الخوف‬                                               ‫سهامها نحو العدو التاريخي‪،‬‬
    ‫الدائم من المستقبل» ص‪.173‬‬           ‫قلي ًل مع المرأة التي اتسع له‬
  ‫وشخصية مثل رشدي العايدي‬           ‫بيتها‪ ،‬غير أن الحقيقة‪ ،‬هي أنه لم‬       ‫ليصبح المعتقد السياسي غير‬
                                   ‫يمتلك قوة الإرادة ليطهر ذاته من‬                                ‫ذلك‪.‬‬
      ‫يحاول الفرار من الصفقات‬
       ‫الخاسرة مع المنتج مجدي‬         ‫ذلك الدنس‪ .‬وإيمان ذاتها ظلت‬         ‫إنها شخصيات قلقة‪ ،‬تعرضت‬
  ‫البيسي‪ ،‬ويتملص من المسارات‬       ‫متوترة‪ ،‬وصعب عليها اتخاذ قرار‬        ‫للفقد‪ ،‬وكل شخصية منها أبرمت‬
    ‫الدنيئة التي قادها إليه فتحي‬
   ‫النونو‪ ،‬وحين يتورط في شرب‬          ‫بالانحياز لزميلها ناصر‪ ،‬وبين‬        ‫صفقة كي يعلو شأنها‪ ،‬غير أن‬
     ‫مخدر الهيروين‪ ،‬يكتشف أن‬                         ‫حبها لشمس‪.‬‬         ‫الواقع ذاته‪ ،‬ومن خلال التجربة‪،‬‬
    ‫الجرعة تنهشه‪ ،‬حتى يتصور‬
     ‫نفسه قد مات‪« :‬مات رشدي‬        ‫يعترف شمس ‪-‬وهو يسير واج ًما‬            ‫أثبت أن الصفقات خاسرة ولا‬
‫العايدي وذلك الذي يحيا ويتنفس‬       ‫في طريقه للشيخ محمد البدري‪-‬‬                            ‫يعول عليها‪.‬‬
    ‫ويلهو ويضاجع‪ ،‬هو شخص‬           ‫بأنه «تتشابه في مصر كل الأماكن‬
  ‫لا يعرفه‪ ،‬ولكنه شخص مريح‪،‬‬        ‫الفقيرة‪ ،‬معالمها تقترب من بعضها‬               ‫‪-3-‬‬
   ‫لا يسمع له صوت إلا في وقت‬        ‫حتى ملامح أصحابها تكاد تكون‬
   ‫الاحتياج لجرعة المخدر‪ ،‬حينها‬                                         ‫إن الوعي الشخصي للكاتبة‪ ،‬مثَّل‬
     ‫ينقلب لوحش‪ ،‬يجلده بسياط‬                     ‫متقاربة» ص‪.172‬‬            ‫حجر الزاوية في قراءة المشهد‬
                                     ‫ومن بعيد‪ ،‬عبر مراقبة الأحداث‬            ‫الكلي‪ ،‬وقد توقفت جليًّا أمام‬
                 ‫الألم» ص‪.194‬‬                                              ‫نماذج خسرت كينونتها لأنها‬
‫يرنو رشدي لتلك العلاقة النظيفة‬            ‫والوقائع لا يمكننا أن نثق‬
 ‫التي ربطته مع روز‪ ،‬أمام كنيسة‬            ‫في وجهة نظر شمس الذي‬           ‫استسلمت للتيار السائد‪ .‬وأفلح‬
                                        ‫يكرر نفس الفكرة في صياغة‬         ‫منهج القطيع في فرض شروطه‬
   ‫مارجرجس‪ ،‬وحين يراها تعبر‬          ‫أخرى‪ ،‬فهو يعتقد أن الأغنياء لا‬       ‫على الجميع‪ ،‬لأنهم لم يقاوموا‪،‬‬
   ‫أمامه‪ ،‬يصل إلى نتيجة شطرته‬         ‫يقعون في تصرفات آثمة أو في‬
  ‫نصفين‪ ،‬فغيابه لم يترك أث ًرا في‬    ‫جرائم يعاقب عليها القانون‪ ،‬أو‬          ‫ولم يتمكنوا من الانفلات من‬
    ‫حياتها‪ ،‬ويعود إلى قريته التي‬    ‫يشجبها الضمير‪ .‬يقول‪« :‬الفقراء‬         ‫تلك الأيدي الغليظة التي لوحت‬
  ‫غادرها بريئًا‪ ،‬ولكنها عودة من‬       ‫يتشابهون في الخسة والنذالة‪،‬‬        ‫بالعصا‪ ،‬وأمسكت باليد الأخرى‬
    ‫خلال الذاكرة‪ ،‬فيرى ابتسامة‬                                          ‫جزرة‪ ،‬فاندفع كثيرون للحصول‬
 ‫أخته الصافية‪ ،‬ووجهها الملائكي‪،‬‬                                        ‫على مزايا المرحلة‪ ،‬وباءت تجارتهم‬
‫ينقبض صدره ويشعر بالخذلان‪.‬‬
  ‫فلا هو حقق حلمه في أن يصبح‬                                                                ‫بالخسران‪.‬‬
 ‫نج ًما مرمو ًقا‪ ،‬ولا هو حافظ على‬                                          ‫هناك شخصية «شمس» الذي‬
                                                                           ‫خرج من المعتقل‪ ،‬فوجد نفسه‬
    ‫تلك الوشائج التي ربطته لأم‬                                            ‫واق ًعا تحت ضغوط اقتصادية‪،‬‬
‫رؤوم‪ ،‬وأخت ملائكية الطابع‪ .‬إنه‬                                            ‫وأنماط اجتماعية جعلته يعيش‬
‫باع نفسه للشيطان‪ ،‬وذهب ليوقع‬                                               ‫في كنف امرأة هي أم عبير أو‬
 ‫العقد مع المنتج الذي ساومه على‬
                                                                             ‫نشوى‪ .‬وحين ارتفع سقف‬
    ‫شرفه‪ ،‬وقبل شروط الإذعان‬                                              ‫طموحه مع تعرفه على إيمان لم‬
                                                                       ‫يتمكن من اتخاذ قرار بالانصراف‬
                                                                          ‫من ذلك الوضع المتردي‪ ،‬وظل‬
                                                                         ‫يراوح بين تاريخه المشترك مع‬
   249   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259