Page 255 - merit
P. 255

‫‪253‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

      ‫وعلامات‪ ،‬وإيماءات تختص‬       ‫يفلح‪ ،‬فقرر أن يقدم أوراقه للسفر‬      ‫وسقط في نظر نفسه‪ .‬إنها وقائع‬
    ‫بطبيعة التحولات الاجتماعية‪،‬‬      ‫والتدريس في دولة عربية حتى‬          ‫شخصيات مأزومه‪ ،‬وتصرفات‬
  ‫والانكسارات النفسية التي ألمت‬               ‫يهدأ الحال» ص‪.198‬‬        ‫لأناس لم يستندوا إلى أي مرجعية‬
‫بالشخصيات الرئيسية في النص‪.‬‬
    ‫يتجسد السقوط في اختيارات‬        ‫ونحن لو حللنا هذا الموقف يظهر‬                     ‫أخلاقية أو دينية‪.‬‬
     ‫كل شخصية‪ ،‬فهي تناور في‬         ‫لنا أن زينب الفتاة التي تربيها أم‬
   ‫منطقة محدودة‪ ،‬يحدوها الأمل‬      ‫عبير في بيتها‪ ،‬كانت أكثر شجاعة‬                ‫‪-4-‬‬
  ‫في خلاص فردي‪ ،‬بينما قوانين‬        ‫في تبيان موقفها من قصة الحب‬
                                                                        ‫تكاد تكون العلاقة الوحيدة التي‬
      ‫الواقع‪ ،‬وأنساقه‪ ،‬تؤكد على‬       ‫التي ربطتها بمدرسها‪ ،‬أما هو‬       ‫تظللها أجواء رومانسية هي التي‬
   ‫كون ردود أفعال الشخصيات‬             ‫فكان فراره للأمام‪ ،‬بأن هرب‬       ‫تجمع أيمن وصفي‪ ،‬مدرس اللغة‬
 ‫تخضع لتبديات ذلك الواقع الذي‬         ‫من المواجهة حتى يرضي أمه‪،‬‬
    ‫غير من منظومة القيم‪ ،‬وعبث‬        ‫وهي إحدى الصفقات الخاسرة‪.‬‬             ‫العربية‪ ،‬وتلميذته زينب التي‬
  ‫بالمناخ العام‪ ،‬والانتصار للفاسد‬  ‫والدليل على ذلك هو الخطاب الذي‬          ‫توقعه في شباكها‪ ،‬رغم فارق‬
   ‫طالما تخفى وراء أقنعة ملغزة‪،‬‬    ‫أرسله إليها مبر ًرا هروبه‪ ،‬مختبئًا‬     ‫السن‪ ،‬لكن ظلال الرومانسية‪،‬‬
                                       ‫خلف بلاغة لغوية‪ ،‬لا مواقف‬           ‫شكلت طق ًسا يحتفي بالبراءة‬
                      ‫وضبابية‪.‬‬     ‫واقعية‪ .‬فهل اللجوء للغة عذبة هو‬       ‫ويحتشد بالعذوبة التي وجدتها‬
   ‫مثال على ذلك شخصية رئيس‬           ‫الحل الصحيح أم الموقف الفعلي‬      ‫عبر المواقف التي جمعتهما بالرغم‬
   ‫مجلس الإدارة التي تعمل فيها‬      ‫الذي يعلن فيه الانتصار للحب‪..‬‬
  ‫إيمان‪« :‬وجدت فيه رج ًل ناج ًحا‬   ‫وهو ما لم يفعله‪« :‬نسيت معك أن‬                     ‫من تحذيرات الأم‪.‬‬
  ‫وإن كان يستخدم طر ًقا ملتوية‬      ‫الحب الحقيقي كالنيران يؤججها‬            ‫يبدو أيمن وصفي غ ًّرا‪ ،‬وهو‬
‫في سبيل تحقيق هذا النجاح‪ ،‬فهذا‬      ‫الفراق‪ ،‬وأن أروع قصص الحب‬           ‫يذكرها بقصة الحب التي وقعت‬
    ‫هو حال البلد‪ ،‬وبصفة خاصة‬       ‫الخالدة لم تكتمل‪ .‬قيس فقد عقله‪،‬‬        ‫بين مي زيادة وأدباء عصرها‪،‬‬
‫بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي‪،‬‬                                               ‫وبينهم جبران خليل جبران‪.‬‬
 ‫التي أتاحت للكثير من المتسلقين‬         ‫انتحر روميو‪ ،‬ومات جبران‬         ‫يتغلغل الحب في قلبه‪ ،‬يشعر بأن‬
‫والأفاقين الظهور على سطح عالم‬       ‫دون أن يلتقي مي زيادة‪ ،‬عزاؤنا‬       ‫قوة لا قبل له بها يجذبه نحوها‪:‬‬
   ‫يموج بالرشاوي والإكراميات‪،‬‬                                          ‫«أدركت زيزي أن أيمن يغار‪ ،‬وأنه‬
  ‫واللعب على الحبال‪ ،‬عالم رجال‬         ‫أن حبنا س ُيخلد وأن أسماءنا‬      ‫حين رآها تتحدث مع عماد شعر‬
                                     ‫ستكتب في سجل العشاق الذين‬         ‫بتهديد على قلبها‪ ،‬شعرت بسعادة‬
               ‫الأعمال» ص‪.82‬‬          ‫بلغوا بعشقهم مرتبة الشهداء»‬        ‫تكاد تحلق بها في سماء العشق‬
‫ومن مظاهر السقوط البيِّن موافقة‬
                                                         ‫ص‪.200‬‬                        ‫واللهفة» ص‪.176‬‬
   ‫أم عبيرعلى التفريط في جسدها‬           ‫أتصور أن المدرس العاشق‪،‬‬         ‫في رسائلها إليه نتأكد أنه –أيمن‬
 ‫لسيادة النائب‪ ،‬في مقابل التوسط‬          ‫الهارب‪ ،‬كان يبرر الهروب‪،‬‬        ‫وصفي‪ -‬قد ترك أث ًرا لا يمحى‬
‫لدى المسئولين لإخراج شمس من‬          ‫وكانت ‪-‬هي‪ -‬تغلق عينيها التي‬        ‫في قلبها وذاكرتها على حد سواء‪،‬‬
                                      ‫أجهدها البكاء حيث يتراءى لها‬
                        ‫المعتقل‪.‬‬       ‫العسكري ذا الشارب يجذبها‬              ‫وتكون الطامة الكبرى حين‬
 ‫لا تمد الكاتبة الأسهم حتى نهاية‬        ‫بعنف من أمام مقام السيدة‬         ‫تعلم أنه قد سافر إعارة لإحدى‬
                                          ‫زينب‪ .‬وهذا ترميز للعلاقة‬
     ‫الطريق‪ ،‬بل نجدها تبرر ذلك‬                                             ‫الدول العربية‪« :‬تحكي لها أن‬
  ‫وهي تحدث يونس بمرارة‪ .‬إنها‬                        ‫المبتورة بينهما‪.‬‬     ‫العلاقة توترت بشدة بينه وبين‬
  ‫تدرك أن الثمن كان غاليًا‪ ،‬لكنها‬                                         ‫أمه التي أقسمت عليه ألا يراها‬
                                             ‫‪-5-‬‬                         ‫مرة أخرى‪ ،‬هددته أن تتبرأ منه‬
      ‫تعيش مع شمس نفسه منذ‬                                               ‫إذا فكر في الارتباط بها‪ ،‬وكيف‬
 ‫عشر سنوات بلا زواج‪ .‬إنها هنا‬             ‫تحتشد الرواية بإشارات‪،‬‬          ‫حاول تهدئتها بكل الطرق‪ ،‬ولم‬
   ‫تتوعد‪ ،‬وكأنها الجانب الأقوى‪،‬‬
   250   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260