Page 260 - merit
P. 260
العـدد 44 258
أغسطس ٢٠٢2
كثي ًرا ..نود عادت لثورتها ،ولكن نجح الكاتب في نقل مشاعر منحته المدينة الشبق تجاه
هذه المرة داخل جدران الجاليري، الحصار الذي يلف الشخصيات أشخاص ينتمون لعالمها ،لكن لا
أطلقت رصاصتها الكامنة ،أحالت -ليس فقط البدني بل والنفسي
الزجاج أشلا ًء ،مدت قد ًما خارج أي ًضا -إلى القارئ بشكل كبير يخضعون لشروط إنسانيتها،
النافذة ،استسلمت للسقوط ،دمعت لكثافة استخدام عبارات« :خلف وكلاهما قررت المدينة تع ُّق ُبه
لاسترداد منطقها».
عيناها ،كانت ذرات هواء المدينة زجاج النافذة» و»من خلف علاقة حميمية ربطت بلياردو
خانقة مليئة بغاز مسيل للدموع النافذة» .ولأن أول مشروع ماكيت
«تقطن ذاكرتها» ،والميدان ..كان بالمانيكانات التي امتلأ بيت طفولته
في الجاليري كان ماكيت القاهرة بها ،ظل أسير تلك العلاقة حتى
نائ ًما والحذر يغلِّ ُف ُه. 2011؛ فقد تذكر ُت الحناجر صارت كل الفاترينات بيته .في
قاهرة ِبلا جسد ..وتحر ٌر الصائحة التي كانت تفيض بيها المعتاد ،إذا مررت بكلمة «مانيكان»
إلى الأبد شوارع قاهرة 2011وقد ُكممت يملؤني شعور باللاحياة ،بالجماد،
أفواهها وتم اقتيادها خلف جدران
«أي مدينة لم تتعرض للمحو بانعدام الروح .لكن هنا ،في
هي مدينة لم توجد»( .منسي الخوف واليأس. «ماكيت القاهرة» ،ربما -ولأول
«تجرؤ بلياردو ذات يوم على مرة -أقا ِبل فيها المانيكانات الحية
عجرم« -ماكيت القاهرة») النظر لأعلى جعله يفقد عي ًنا». القادرة على منح الشبق لبلياردو
«المدينة ليست للبيع» .هكذا ردت أن تنظر إلى أعلى يعني ذلك أنك
تحمل حل ًما يسع الفضاء ،لذا ُفقئت حتى وجد فيها الحياة.
المسز بشكل قاطع حينما استفهم إحدى عيني بلياردو ليبقى في عتمة أما نود ،التي َعلِمت في وقت مبك ٍر
أوريجا عن سبب تدمير الماكيت، ما َح َيا ،وربما سيتوقف حينها من حياتها أنها لن تكون شخ ًصا
عن الحلم« .لقد أثبتت له الحياة
نفسه بنفسه ،إذا استقر عليه واح ًدا في ال َمرايا ،صارت هي
مشت ٍر لأعلى سعر .وكأن المسز صدق حدسه يوم فقد هذه الأخرى حبيسة مراياها وعدسة
تريد أن تقول إن حلم 2011غير العين .ربما كان يبحث لأول مرة كاميرتها الزجاجية ،تستنطق رج ًل
قابل للبيع ،غير قابل للتخ ِّل ،غير عن ضوء قمر أو شمس ،لكنه لم
قابل للمساومة .ولأن محو المدينة ير سوى لمعة رصاص القناص». ليصير –بدوره -كل حياتها.
شرط وجودها وحقيقتها -طبقا بين جنبات الجاليري ،شعر الجميع
لمقولة منسي عجرم -لذا نجد زجاج وحب ٌس انفرادي
القاهرة وقد اختفت مرتين :الأولى بالتيه ،ولا أظنه تيه الجسد في
حينما خطا أوريجا عتبة الجاليري المكان ،فحسب ،بل تيه الأرواح «خلف زجاج النافذة كان ثمة
مغاد ًرا ل ُيقا َبل بـ»الخلاء الكامل زجاج آخر يسيج الماكيت كجدار
والصامت لمدينة ،تتنزه فيها كذلك .فهذه نود «تتخبط في
الريح» .والثانية حينما عبرت نود جنبات الجاليري كالتائهة ،لم غير مرئي».
عتبة باب الجاليري لتجد القاهرة تميز الحائل الزجاجي الذي طرأ الزجاج الفولاذي ،الذي يطرأ في
كفاترينة ..أسقطها على الأرض وجه كل من كان في الجاليري،
وقد اختفت. وأفقدها الوعي» ،أما أوريجا فقد يحد تحركاتهم ويكتم أصواتهم.
اصطدم بحائل زجاجي فولاذي كلما قابلت كلمة «زجاج» شعر ُت
نود في براءتها تتماهى مع بينما كان يجرب أن يدخل صالة باختناق أنفاسي وكأنني في سجن
القاهرة في اختفائها الماكيت ،وهذا بلياردو الذي شعر
في لحظة ما أنه «ضل في متاهة». كبير .نود وأوريجا ،أسي َري
«إنها (نود) بريئة الآن ،بريئة وأخي ًرا ..طلت نود من الزجاج بعد الجاليري ،أصواتهم دفينة خلف
وحرة ،لن تضطر ثاني ًة للهرب زجاج لا يشف عما خلفه .أوريجا
أن هوى أشلا ًء. ينادي «يائ ًسا» من خلف الزجاج
لم َي ُطل الحبس خلف الزجاج
وهو يطرق بيدين مجنونتين:
نوووووود ،ولكن نود لا ُتجيب.