Page 261 - merit
P. 261
259 ثقافات وفنون
كتب
تكون لا كما يريده لها الآخرون. ُنود التي اختارت لنفسها اسم لا من الآخرين ولا من المدينة.
ف ُنود ،التي كانت في غرفة مبيتها « ُنود» -أي المرأة العارية -كانت والقاهرة أمامها حرة أي ًضا لأول
في الجاليري حبيسة زجاج فولاذي
يعكس صورتها بد ًل من أن يكشف تريد أن تمحو اسمها الأصلي مرة دون حراس ،لكنها ،لأول
ما خلفه ،شعرت بال ُعري «حتى تما ًما ،والذي بقي مجهو ًل حتى مرة أي ًضا ،دون جسد».
وهي في كامل ملابسها» .بدت ُنود النهاية ،وأن يحل محله .تناول
مسلوبة الإرادة ،تخضع لجهة لا الكاتب صفة ال ُعري بالمعنى الحسي وكأنه كان يجب على المدينة
متناهية السلطة ،لم تكن ِملك ذاتها الملموس ،وكذا ،مجازا ،بالمعنى الخلاص من جسدها ،من جدرانها
الرو ِحي الوجداني .إن ( ُنود) ارتبط الإسمنتية العالية الصماء لتتحرر
بل مستباحة الجسد والروح. بشكل وثيق ومباشر بجمل ٍة َمفا ُدها و َتكتب براءتها إلى الأبد .وها هي
«ترى ُنو ُد ُنو َد عاري ًة تما ًما.. مفتاح فهمنا لشخصية صاحبته. نود -والتي لطالما كانت جز ًءا من
باتت مجبرة على تصوير ُعر ِيها ومفتاح ُنود هو «في لحظة مبكرة شوارع المدينة ووسط البلد كإحدى
بنفسها ..ك َـ ِرهت ُنو ُد ُنو َد ،لأنها من حياتها ،أدركت ..أنها لن
هي ،قدر ما كرهتها ،لأنها ليست قاطنيها ،وكانت المدينة ،بدورها،
تكون أب ًدا شخ ًصا واح ًدا في بشوارعها وأزقتها وفاتريناتها
هي». المرايا» ،فإذا انتقلنا للجملة التالية وبيوتها جز ًءا كبي ًرا من ذاكرة
ربما تكون هذه الجملة هي الأبلغ سنج ُد «حدث ذلك ذات يوم بعيد، نود -تلتقي في تما ٍه بديع ومؤثر
لاستشعار مفهوم التعري المجازي كانت فيه تقف وحيدة وعارية بالقاهرة الحرة ،بعد أن تحررت
هي الأخرى من زجاج الجاليري
لا الملموسُ .نود هنا أحست أمام مرآة غرفة نومها ،عندما الخانق ،و ُسلطة المسز القادرة
بالتعري ،بالانكشاف الخانع الذليل فوجئت أن سطح المرآة يعكس على ابتلاع الكون ،وربما أي ًضا
من كتاب منسي عجرم ،الذي َهيَّأ
في أقصى درجاته ،حيث باتت جسدين» .وهنا تناول الكاتب للقارئ كما َهيَّأ لشخصيات الرواية
مج َبرة خاضعة على تصوير نفسها صفة ال ُعري بالمعنى المحسوس. أننا نسير وف ًقا لحتمية مصائرنا
إن ( ُنود) هي من منحت نفسها
ل ُتع َرض عاري ًة ُمظ ِهر ًة سوءاتها ذلك الاسم من أجل َر ُجلِها -رجل التي ُخ َّطت مسب ًقا في الكتاب.
للجميع. المرايا« -بإلهام أجزاء جسدها
المكشوفة المعروضة له» .علاقة نود ( )Nudeالمرأة العارية
في ماكيت القاهرة ربما نلتقي حميمية تغمر نو ُد نفسها بها مع
بأنفسنا في ُنود وأوريجا وبلياردو، رجل المرآة الذي يشاطرها خلوتها «بالنسبة إلى نود لم يكن الاسم
الحركي أب ًدا تدلي ًل ..بل إزاحة
كما تلتقي شخصيات الرواية ويلِ ُجها إن أرادت. له يحل محله بطمو ِح أن يمحوه
بأنفسها في حيوات تالية .كانت على الجانب الآخر والأكثر أهمية،
تناول الكاتب صفة التعري مجاز ًّيا، نهائ ًّيا ذات يوم».
ُنود أ َنا في جوانب كثيرة من بمعناه الوجداني الروحي .ف ُنود صرح طارق إمام ،في لقاء لايف
شخصيتها ،في تمردها على قواعد على تطبيق زوم أُج ِر َي لمناقشة
تفرضها مدينة من صنع أشخاص المرأة المتمردة ،والتي لا َتخضع الرواية ،أنه اختار أسما ًء حركية
ُيشبهوننا ولا يشبهوننا .في حلمها لشروط المدينة ،والتي قررت لشخصياته باعتبارهم فنانين،
وحيث إنه من المألوف أن يختار
الذي بات يلاحقها وتلاحقه ،في المدينة تعقبها ،قررت أن تتعرى الفنان اس ًما حركيًّا ليكون شه َر َته؛
وحدتها وهي تجر قدميها هاربة تما ًما ،أن تتحرر من كل الأقنعة
في شوارع حالكة وضيقة ،وتجتر لتستقبل العالم بمسام مفتوحة ،لا فقد اختار لشخصياته أسما َء
أحلامها بين جنبات حياة مزدحمة حبيسة جلدها الذي ألبستها إياه حركية :فـاختار ( ُنود) للفيلم
مدينة لم تتوقف عن ملاحقتها ميكر و(بلياردو) لفنان الجداريات
وشوارع خانقة ،في ال ُخلوة ومصادرة كاميرتها ،كل ما تريد و(أوريجا) لصانع المصغرات.
والت َخ ِّل .نود تريد شيئًا ربما لم أن تكون هي كما تري ُد لنفسها أن
يوجد بعد