Page 266 - merit
P. 266
العـدد 44 264
أغسطس ٢٠٢2
والتخلص منها ثانيًا ،وليبقى رغبة في أن تسير الحياة بهذه نهاية الرواية؛ عندما ناداه جده
يتساءل كل ذلك العمر ،لماذا الطريقة .أهانه رسوبي ،الرسوب لينتقده آخر وصاياه في الحياة،
خصه هو بالذات؟ واختاره لمهمة
كهذه ،على الرغم من أنه فشل في إهمال ،والإهمال ضياع .ضاع ويفتح له قلبه لآخر مرة؛ قبل
كل ما كان الشيخ العجوز يتأمل الولد الذي تعشم فيه كثي ًرا». الرحيل الأبدي ،وقبل أن يوارى
منه ،بأن يكون دار ًسا ،ومثق ًفا، الثرى ،في تلك البقعة من الأرض
وناج ًحا في حياته ،كما كان كذلك أسرار لا بد من في الريف المصري؛ الذي شهدت
في طفولته؛ حين ختم القرآن، البوح بها
وتفوق على رفاقه ،وأن يكون ولادته ،وتعاقب عائلته على
رج ًل ذا شأن ،ولكن الولد يعترف للقلب أسراره التي لا تنتهي، العيش فيها ،لينطلق كل واحد
بأنه كره عادات وتقاليد عائلته، وله حكاياته الطويلة ج ًّدا عن كل منهم إلى المجهول ،ويخ َّط دربه
وتاريخها ،إلا أنه لم يستطع بيديه ،ويترك القرية ،لتبقى تلك
التخلص من المعضلة الرئيسة ما كان يحمله من حب وعشق الوصايا في طرقات القرية التي
التي لم تفارق مخيلته لحظة للقرية ،للأرض ،وتعلق بها حد حصلت فيها هذه الحكاية ذات
واحدة ،كما قال له الجد ،ومن الجنون ،ليأخذ فيما بعد بالروي يوم بسرد حكاية ذلك الجد،
دون إرادته ،فلقد أصبحا روحين عنه ،وعن كل من كانوا هناك، الذي قال عنه بأنه كان« :يتح َّول،
في جسد واحد ،بعد رحيل الجد: يسكنون ذلك الواقع المحفوف
«يوم الجمعة سأموت ،ولا بد أن ويحكي عن حياته ،ويسرد
أقول لك كل ما في خاطري ..نحن بهالة من ضباب ،من ذاكرة أمو ًرا لم أكن أظن أنه قد يتحدث
مجرد سديم يتجمع ثم يتبدد، صارت جز ًءا من الماضي ،وتفتح
أملي عليك عشر كلمات ،احفظها، قلبها للحاضر لتروي له أسراره عنها ذات يوم» .وكأنه يروي
وسجلها في قلبك ،احفرها هناك، التي لا تعرف نهاية لها ،ويؤكد تاريخ مصر (عشرينات القرن
فكر فيها ،وأنت نائم ،وأنت ما ٍش، بأن قلبه بات عاج ًزا عن تحملها، الماضي -مراحل الملكية -ثورة
فكر فيها ،وتأملها ،لن تفهم كل ما تموز -1952الرئيس جمال عبد
ولا بد من أن يبوح بها. الناصر -أنور السادات -نكسة
أقوله لك الآن». فذلك الولد الذي أصبح يروي حزيران -حرب تشرين) ،ليحضر
رجل كبير في العمر يشعر عن جده كل شيء عاشه ،ووضع
بالضياع والوحدة ،ويحاول تجاربه ،وآماله ،وآلامه لديه، الجميع (الشيخ عبد الرحمن
الحفاظ على آخر خيط له في ليجعله كاتم أسراره ،والوحيد سليم ،ابنه صالح ،نور الدين ،علي
الحياة ،وهو الذكريات التي لا
بد من البوح بها ،ونقلها إلى من المؤتمن عليها ،لترافقه تلك سليم ،العمدة ،السيدة خديجة،
يشعر بأنه أقرب الناس إليه، الأسرار طيلة عمره؛ من دون والسيدة كوثر ،نبية ،نعيم)،
(حفيده) الذي تح َّمل مأساة وغيرهم ،فيما بعد في الرواية
تلك الوصايا ،وذلك البوح الذي أن يتمكن من إنجازها أو ًل،
كان يبقى أثره محفو ًرا في قلبه، كشخصيات أصلية ،لها صورها
وروحه ،كما أوصاه الجد؛ حين الخاصة ،وانطباعاتها ،وميولها،
ناداه ليجلس بقربه ،ويحكي عن
حياته« :كنت في الثامنة عشرة من ودوافعها.
عمري ،نفرت من كل شيء ،نظام يصبح عمر ذلك الولد خمسين
حياتنا ،من تاريخ عائلتنا الذي عا ًما ،ويعود بذاكرته إلى الخلف
سنوات طويلة ،ومؤلمة ،بطول،
وألم ذلك الأرق الذي نال
منه ،حين ناداه الجد لأول
مرة بقوله« :قال لهم هاتوا لي
الولد الساقط ،كان يناديني
الولد الساقط منذ أن رسبت
في كلية الزراعة ،ولم تعد لي
عادل عصمت