Page 267 - merit
P. 267
265 ثقافات وفنون
كتب
تأثرهم بها ،وتأثرها بهم هي يعود إلى الوطن ،إلى المكان خصني بحكايته ،بتفاصيل دقيقة،
أي ًضا ،فللدور أرواح ،وللبيوت الذي كان يعيش فيه ،إلى القرية كأنه يرغب أن ينقشه على قلبي،
أسرار لا يعرفها أحد إلا سكانها،
الصغيرة التي كانت ذات يوم لقد صهرني في رحلته ،حتى أنني
ولها عشقها المق َّدس لكل من تعبق برائحة الحب والحياة، حتى الآن لا يمكنني التخلص
سكن فيها ذات يوم ،وتأبى أن وتحاول كلما أمكنها أن تلم شمل منه».
تبدلهم بآخرين غرباء ،وأن يغيِّر الجميع ،وتجمعهم تحت طيات بكل بساطة ،هكذا ،ومن دون
أحد ملامح وجودها الأول ،لأنها جناحيها التي كانت تضمهم، سابق إنذار ،يحفظ الولد كلامه
تفضل أن تبقى على حالها كما وتعرفهم من خلالهما على العالم
كانت ،كما ألفها أصحابها ،يقول الواسع ،في الخارج ،وفي مصر عن ظهر قلب ،ولكنه عاش حياته
عنها في إحدى تخيلاته لها ،مبيِّنًا كلها ،فهي جزء من كل ،وهي «بعي ًدا عن وصاياه».
مدى عمق العلاقة التي تربطهم الصورة التي تعكس ملامح تلك
الحياة لأهلها ،والفترة الزمنية وطن على حافة السقوط
ببعض« :لم يكن أحد يتخيل التي عاشوها في تلك القرية.
أن الأبواب والنوافذ والحيطان «لقد رحلوا جمي ًعا ،والدار التي
وساحات الدار وأركانها لها هذا إعادة الحياة إلى المكان بناها في بداية سبعينيات القرن
الثقل العاطفي ،الجدران والأبواب
والنوافذ والسلالم والعتب وكوات المكان يعشش فينا ،ويتجذر، العشرين مغلقة الآن ،عائلة
النور ،والفرن وغرفة المعاش ويصعب علينا الفكاك من فخاخه فلاحين بادت ،هل كان يشعر
الكثيرة التي ينصبها لنا ،ونعجز بالخوف من الموت ،ومن ضياع
وخزانة اللبن وعشة الفراخ، أمامه ،ويستحيل علينا أن ننسى عائلته ،وتناثرها في البلاد» .قرية
وزريبة البهائم ،لم تكن مجرد إناء صغيرة هي مصر كلها ،هي بلد
يعيشون فيه؛ بل كيان غامض لم تلك اللحظات الجميلة التي على حافة الوقوع والنسيان،
يكتشفوه إلا في تلك الأيام .الكيان قضيناها هناك بين ظهرانيه، والدخول في الضياع ،هي صورة
ونصبح معه ك ًّل واح ًدا ح َّد مصغرة ،ونموذج بسيط ،لكنه
غير المرئي لهذا الشيء المس َّمى التماهي ،فلا نحن قادرين على كبير في دلالاته ومعانيه ،لمجتمع
(الدار) يكشف عن بعض معناه، أن ندير له ظهرنا؛ مهما حاولنا، بأكمله ،تح ُّف به الهموم والآلام
ولا هو بقادر على أن ينسى من جميع الجهات ،ويتهدد أهله
عندما يرحل عنه المرء ،ولكنه الذين عاشوا بين دفتي قلبه ذات الاغتراب والرحيل ،كما هذه
يعطي كامل معناه في أثناء الهدم، يوم ،لذلك ركز الكاتب كثي ًرا على العائلة ،التي تبددت غيوم جمعها،
المكان باعتباره يقع في صلب حبه ليتفرقوا ،ويولي كل واحد منهم
فهذا البيت الذي عاشوا فيه قد وعشقه له ،وباعتبار أن كل شيء
رحل عنهم بشكل نهائي». يعبق برائحة الحياة هناك في وجهه شطر مكان لم يشهد
الريف المصري ،حيث لا صوت ولادته ،وعشقه الأول ،وليصبحوا
يشار إلى أن (رواية الوصايا) يعلو فوق صوت الحميمية التي
للروائي المصري عادل عصمت، ينش ُّد لها الكاتب عادل عصمت، طيو ًرا مهاجرة نحو جميع
هي من إصدارات (الكتب خان وهو يروي عن بلده ،وقريته ،بكل الأصقاع ،ويتناثروا في البلاد التي
للنشر والتوزيع) ،الطبعة الأولى ما فيها :الأشجار ،رائحة الهواء،
،2018ورشحت للقائمة القصيرة الأبواب ،الأزقة ،السلالم الحجرية، ما عادت تتحمل أكثر من ذلك،
لجائزة الرواية العربية البوكر، الأضواء الباهتة للفوانيس في وتفتح نافورة الحنين أبوابها
وتقع في 296صفحة من القطع الليل ،الهدوء ،الفوضى ،صخب لعل الغائبين يعودون بعد رحلة
المتوسط ،وللكاتب أي ًضا روايات الحياة ،والأصوات ،ويبين مدى اغتراب طويلة ،ليزيل تلك الوصايا
(هاجس موت -حياة مستقرة- التي أثقلت كاهله ،فلقد كانت كما
يقول« :حملني فوق طاقتي».
الرحيل العاري -أيام النوافذ لكنه رغم ذلك ،ورغم كل شيء
الزرقاء -حكايات عادل تادرس-
صوت الغراب -حالات ريم)