Page 259 - merit
P. 259

‫‪257‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫نفسه متخب ًطا في متاهة‪ ،‬حتى يجد‬             ‫من زاوية مغايرة‪ .‬تتتابع ال َمشاهد‬        ‫صرحت المسز‪ -‬على الدوران‬
   ‫نفسه حبيس غرفة دائرية قبالة‬             ‫والزوايا لحيوات ذات الشخصيات‪،‬‬            ‫دورات كاملة حول نفسه ليلُ َّم‬
  ‫سيدة ُتدعى المسز‪ ،‬يجري حوار‬              ‫وتتعاقب الماكيتات واح ًدا تلو الآخر‬
                                                                                                  ‫بالمشهد كام ًل‪.‬‬
‫بينهما‪ ،‬لحظات ويقفز بلياردو على‬             ‫حتى تختلط علينا الأزمنة ونحس‬
   ‫المكتب الذي يفصله عنها‪ُ ،‬يحكم‬                 ‫بالتيه متخبطين بين جدران‬       ‫دورا ٌن متدفق‪ ..‬حيوا ٌت بلا‬
                                                                                 ‫عدد واستدام ٌة بلا حدود‬
 ‫ربا ًطا حول عنقها فتفارق الحياة‪.‬‬             ‫الجاليري الزجاجية‪ ،‬في عالم لا‬
‫تدور عجلة الأحداث ليجد بلياردو‬                   ‫متنا ٍه من عوالم طارق إمام‪.‬‬    ‫«منح ٌة ستوفر لأصحابها فرصة‬
 ‫نفسه على «خشبة مسرح» دائرية‬                                                                      ‫حيا ٍة جديدة»‬
                                              ‫«شعر (بلياردو) أنه ضل في‬
     ‫ُقبالة ذات السيدة‪ ،‬التي أنهى‬           ‫متاهة‪ ..‬كان عليه ألا ينسى أنه‬       ‫صور لنا «ماكيت القاهرة» حيوات‬
   ‫حياتها منذ لحظات‪ ،‬حية وكأنه‬                                                      ‫قاطني الجاليري ‪-‬الذي تسبح‬
   ‫يؤدي دو ًرا أُ ِع َّد له سل ًفا‪ ،‬ليدرك‬     ‫هو نفسه الآن تكرار لشخ ٍص‬             ‫المدينة في فلكه‪ -‬دائمة باقية لا‬
  ‫حينها أن كل ما يحدث ما هو إلا‬                                     ‫أكبر»‪.‬‬          ‫يعقبها موت ل َتف َنى‪ .‬ولأنها كما‬
 ‫«مشهد مسرحي»‪ ،‬فتأكد أن هذه‬                                                          ‫الدوائر التي تغرق الجاليري‬
‫المرأة حية «فقط بقوة النص»‪ .‬أدى‬                ‫وكأن الجاليري ينتمي لفضاء‬
  ‫بلياردو المشهد دون أية مقاومة‪،‬‬             ‫آخر‪ ،‬لمجرة غير تلك التي نعرفها‬      ‫بنوافذه وأُ ُطره ومقا ِعده ومكاتبه‪،‬‬
                                             ‫ونألفها وتألفنا‪ .‬ما إن تدلف إلى‬       ‫ولأن الدائرة لا تحدها بداية أو‬
      ‫ُمقتا ًدا خاض ًعا بقوة لا يعلم‬        ‫الجاليري وتصير جز ًءا منه حتى‬          ‫نهاية‪ ،‬فإن حيوات الشخصيات‬
 ‫كنهها حتى يتلقى أم ًرا من الملقن‪،‬‬
                                               ‫ُتفتح لك صفحات لا تنتهي في‬        ‫بدورها لامتناهية‪« .‬يغدو الناس‬
          ‫«أُخرج» لينتهي المشهد‪.‬‬              ‫كتاب «منسي عجرم»‪ ،‬وتتكاثر‬              ‫أشد شبها بصور طفولتهم‬
      ‫إ ًذا‪ ..‬كل ما يحدث في جنبات‬             ‫حيواتك بلا عدد‪ .‬تدور الدائرة‪،‬‬
   ‫الجاليري تم الإعداد له مسب ًقا‪:‬‬         ‫تكبر وتشيخ لتولد من جديد وتبدأ‬           ‫عندما يصبحون عجائز»‪ .‬في‬
    ‫اختيار الشخصيات وأدوارهم‬                 ‫حياة جديدة في زمن آخر بحجم‬          ‫الجاليري‪ ،‬ما يلبث المرء أن يشيب‬
  ‫والسيناريو والديكور‪ ،‬كل شيء‬               ‫أكبر‪ ،‬ستلتقي بنفسك السابقة في‬
  ‫هنا يسير بحتمية نص ُكتب بقلم‬                 ‫زمن منق ٍض على ما كانت عليه‬           ‫حتى ي ِشب من جديد‪ ،‬وما إن‬
                                                                                    ‫تغيب شمس حياته حتى تطلع‬
                     ‫جف حبره‪.‬‬                             ‫بحجمها الضئيل‪.‬‬           ‫من جديد‪ .‬وهنا قال أوريجا في‬
            ‫ولكن‪ ..‬أي نص ذاك؟‬                    ‫تنزل نود في غرفة الجاليري‬      ‫المسز «هذه المرأة كبرت بما يكفي‬
    ‫«لا تعرف الحيوات النهايات‬                  ‫نفسها التي نزلت بها من قبل‪،‬‬
     ‫المفتوحة‪ ،‬لكن كتاب منسي‬                ‫تتنسم رائح ًة قديمة وتتعرف على‬                       ‫لتعود طفلة»‪.‬‬
‫عجرم‪ ..‬كان ُيشبه الحياة‪ ،‬لذا لم‬             ‫عبير جسدها السابق‪ ،‬أما بلياردو‬          ‫«ربما لا تكون القصة نفسها‬
  ‫يشك أوريجا للحظة أن الكلمة‬                  ‫فيلتقي بنفسه في الميدان‪ ،‬يلتقي‬    ‫أكثر من مجموعة مشاه ٍد مكررة‬
    ‫النهائية في الصفحة الأخيرة‬               ‫بعينه التي ُفقئت يو ًما برصاص‬          ‫تنتهي لتبدأ من جديد‪ ،‬كأنها‬
  ‫من قصته لن تكون (تمت) بل‬                      ‫قناص و ُي َهدهدها في راحتيه‪.‬‬       ‫محيط دائرة»‪( .‬نود‪« -‬ماكيت‬

                      ‫(ماتت)»‪.‬‬                ‫ك ُّل شي ٍء ُم َع ٌّد مسب ًقا‬                           ‫القاهرة»)‬
                                                                                   ‫في بعض اللحظات يلتبس عليك‬
      ‫زجا ٌج وشبق‬                                ‫«ما الدنيا إلا مسر ٌح كبير‪،‬‬      ‫الأمر‪ ،‬تظن أن ذات الزمن يتكرر‬
                                             ‫وإن كل الرجال والنساء ما هم‬
   ‫«كلاهما (نود وبلياردو) كان‬                                                         ‫بأشخاصه وأمكنته‪ ،‬وأحيا ًنا‬
     ‫الزجاج وسيطه لاستنطاق‬                     ‫إلا لاعبون على هذا المسرح»‪.‬‬          ‫أخرى ُي َهيَّ ُأ لك أن ثمة كائ ٍن لا‬
      ‫شخص يستحيل أن ينطق‬                      ‫(مسرحية «كما تشاء»‪ -‬ويليام‬           ‫متنا ٍه عطل الزمن‪ ،‬أوقف حركة‬
      ‫أو يغادر زنزانته‪ ،‬كلاهما‬                                                    ‫الأرض والمجرات‪ ،‬وكأن شري ًطا‬
                                                                ‫شكسبير)‪.‬‬        ‫لفيلم يوثق حيوات شخصيات من‬
                                            ‫في «ماكيت القاهرة» يجد بلياردو‬         ‫زوايا عدة يتوقف لحظة ليتكرر‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264