Page 12 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 12
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
«الهوية الوطنية» بين الواقع المادي والواقع الافت ارضي
د .مصطفى النشار
أخشى ما يخشاه المرُء في هذا العصر هو التقدم التكنولوجي في مجال ما يسمى بالثورة ال اربعة ،عصر
الثورة المعلوماتية التي ربما تعيد الآن تشكي َل مفهومنا للواقع؛ إذ لم يعد الواق ُع كما كان الأمر في النظرة التقليدية
الكلاسيكية ،هو الواقع المادي الذي نعيشه ونلتحم فيه مع كل ما حولنا من أشياء في شبكة من العلاقات
المحددة بل أصبح للواقع الآن واق ًعا موازًيا يكاد يقضي على هذا المعنى الكلاسيكي للواقع ،إنه الواقع الافت ارضي!
وقد صدق الفيلسوف الإنجليزي المعاصر لوتشيانو فلوريدي حينما قال في كتابه «الثورة ال اربعة – كيف
يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني» الذي صدرت ترجمته العربية العام الماضي عن سلسلة عالم
المعرفة الكويتية ،بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات «تدخل تعديلات على طبيعة الواقع ذاتها ،ومن ثم على
مفهومنا له عبر تحويله إلى إنفوسفير (غلاف معلوماتي)»!(ص.)67
يفوق الخيال؛ فقد كشفت الإحصاءا ُت أن معدل ولمن لم يعرف بعد ،فإن الإنفوسفير هو تعبير
الرسائل المتبادلة عبر تطبيقات الدردشة مثل الواتس ظهر في السبعينيات من القرن الماضي مستنًدا على
آب أصبح منذ عام 2102م حوالي 91مليار رسالة مصطلح الغلاف الحيوي ،erehpsoiBوهو يشير
يومًّيا ت ازيد إلى 05مليار رسالة يومًّيا عام 4102م، في مجاله إلى تلك المنطقة المحدودة على كوكب
وبالطبع فإن هذا القدر من التواصل المعلوماتي بين الأرض التي تسمح بالحياة ،ومن هنا فإن الإنفوسفير
البشر -وخاصة بين فئات الشباب الذين يستخدمون أصبح مصطل ًحا يدل على «البيئة المعلوماتية التي
هذه التطبيقات -وخاصة الفيس بوك والواتس آب تتألف من جميع الكيانات المعلوماتية وخصاصها
وغيرهما ،لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية ،وإذا وتفاعلاتها وعملياتها وعلاقاتها المتبادلة ،إنها بيئة
أخذنا في الاعتبار أن هذا التباد َل المعلوماتي وتلك تضاهي لكن تختلف عن الفضاء السيب ارني (أي
الرسائل والعلاقات المتبادلة التي ننتجها ونستهلكها الفضاء الإلكتروني) الذي لا يتجاوز كونه إحدى
تؤثر وتغير من ذواتنا الاجتماعية كما تغير من
الكيفية التي نرى بها أنفسنا ،فإن معنى ذلك أن ذواِتنا مناطقها الفرعية إن جاز التعبير»(نفسه).
تتغير وتختفي الكثير من عناصر تميزها السابق
وعلى ذلك فإن الإنفوسفير هو مفهوٌم يمكن
لتصبح ذواتًا جديدة بعناصر تمُّيـز جديدة. استخدامه كم اردف للواقع طالما نفسر الواقع معلوماتًّيا،
وفي هذه الحالة يتم الإيحاء بأن «ما هو حقيقي هو
إن كل ذلك يستدعي بالطبع الانتقاد من الأشخاص معلوماتي وما هو معلوماتي هو حقيقي»(نفسه).
التقليديين الذين ينظرون إلى كل هذه التغي ارت في إن ما يعيشه شبا ُب اليوم في هذا الفضاء
المجتمع المعاصر بأنها تدعو إلى الأسى؛ فقد أصبح الإلكتروني وما يتبادله من معلوما ٍت وعلاقات أصبح
12