Page 14 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 14
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
نوعي وكمي. مجلــــــــــــــــة
والخلاصة أن هوياتنا الذاتية لم تعد مرهونة اليوم المعاصر العميق لأجسادنا وكل الأشياء المادية حولنا
بالموضع المكاني الذي ولد فيه المرء وتعلم فيه،
بل أصبح الجانب الأكبر منها يتعلق بكم المعارف يمكن أن ترتد نظ ًرّيا إلى «معلومات»! إذ إن كل مفردة
ومصادرها ومدى النمو المعرفي الذي حققته في
درجة الوعي بذاتها سواء كان مصدر هذه المعارف في العالم المادي لديها في قاعها الأعمق مصدر غير
محلًّيا أو إقليمًّيا أو عالمًّيا ،ولما كان التقدم المعرفي
والمعلوماتى مصدره إلى الآن الدول الغربية المتقدمة، مادي وفًقا لفرضية «الشيء من البت ،»tib morf ti
فينبغي أن ندرك مدى إحساس شبابنا الذي ولد وترعرع فأعماق أجسادنا مصنوعة من معلومات وليس من
في ظل هذا العصر الإنفوسفيري المعلوماتي بالانتماء
إلى الأرض والوطن الذي يعيش جسدًّيا فيه! إن هذا قوام أساس مادي مختلف عما هو غير مادي ،فلسنا
الانتماء أصبح في ت ارجع شديد؛ نظًار لأن الواقع
الافت ارضي والفضاء المعرفي الذي يتحرك فيه هؤلاء أمام اثنية بل أمام نوًعا من الواحدية يستند إلى الحالة؛
الشباب ليس لدى الدول أو الحكومات المحلية أو لدى فكما أن الماء يختلف حالاته من السيولة إلى البخار
الأسر الشأن الأكبر فيه. أو الثلج ،كذلك العقول والنفوس من جهة والأمخاخ
إن هوية هؤلاء الشباب وانتماءهم موزعٌ بين والأجساد من جهة أخرى هي أشبه بحالات مختلفة
انتمائين :جسدي ومعرفي ،ولما كانت ماهية الإنسان
الفرد تتشكل من قد ارته المعرفية وذاته الواعية وليس من المعلومات ،إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
من مجرد الموضع الذي ولد فيه وحبس فيه جسده،
فإن الانتماء الحقيقي لهؤلاء الشباب هو الانتماء يمكنها بسهولة جًدا – من هذه ال ازوية – أن تجعلنا
المعرفي ،وهذا هو التحدي الحقيقي الذي علينا أن نقضي الكثير من وقتنا الواعي موجودين في مكان
نعيه كمواطنين ودول تقليدية ناقلة للمعرفة وليست
صانعة لها؛ فبقدر ما سنظل غير فاعلين وغير قادرين آخر غير الموضع الذي نحن فيه جسدًّيا ،ومن هنا
على المشاركة في صنع المعرفة المتقدمة ،بقدر ما
سنفقد أجيالاً من أبنائنا الذين لن يرضوا بديلاً عن نكتشف أنه لم يعد أمامنا سوى أن نقبل الواقعين م ًعا؛
زيادة نموهم المعرفي من أي مصدر كان ،وخاصة فرغم أن الواقع المعبر عنه بالموضع أو المكان الذي
أن هذا المصدر أصبح الآن متا ًحا وهم يملكون أدواته
جيًدا ،فهل ثمة تهديد للهوية والمواطنة والانتماء أتواجد فيه شيء يختلف عن الواقع الواعي أو عن
حالة الوعي التي أنا عليها ،إلا أن هذا لا يتناقض
مع ذاك ،ولا ينبغي أن نتهم من يستخدمون هذا الواقع
الافت ارضي ويعيشونه بالضحالة والزيف ،فالحقيقة أن
درجة الوعي التي يشكلها هذا الاستخدام المفرط لأدوات
التواصل المعلوماتية تؤثر إيجاًبا بلا شك على وجودهم
الموضعي المادي.
ولنأخذ مثلاً على ذلك أولئك الذين يستخدمون
هذه الوسائل فيما يعرف الآن بالتعلم الإلكتروني أو
التعلم التفاعلي عن ُبعد ،فهم يطورون من ذواتهم ،فقد
أصبح التعليم يقترن بالمعرفة أًيا كان مصدرها فلا شك
أن مجتمع المعلومات يشهد الآن وفي المستقبل نمًّوا
معرفًّيا هو الأسرع في تاريخ البشرية وهو بلا شك نمو
14