Page 15 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 15
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
مجلــــــــــــــــة
التعليم والهوية المصرية
ق ارءة في كتاب طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر
دكتور /حسين علي
أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
إن الكتابة عن طه حسين هى حدي ٌث عن المستقبل؛ ذلك أن هذا الرج َل الذي حَرمه الله من نعمة البصر،
وهبه الله بصيرة نّفاذة استطاع بها أن يخترق حجًبا كثيفة نحو المستقبل ،كما غرس فيه رو ًحا وَّثابة متمردة
سعت إلى الجديد لتتعلمه وتستوعبه وتتمثله ،ومن ثَّم كان تاري ُخ طه حسين تاري ًخا متميًاز استطاع فيه أن يفتح
البا َب لأفكار وممارسات جديدة أ ارد بها أن يضع شعبه على مشارف طريق النهوض والتقدم.
ومثله مثل الإمام محمد عبده وأحمد لطفي السيد ،اهتم طه حسين بالتعليم كمفتاح للإصلاح الفكري
والاجتماعي ،وآمن بضرورة انتشاره كمقوم للحياة الديمق ارطية ،ف أرى أن الدولة ملزمة بنشر التعليم ،والاضطلاع
بكافة شئونه( .د .طه حسين ،مستقبل الثقافة في مصر ،الطبعة الثانية – النسخة الورقية – ،دار المعارف،
القاهرة1996 ،م ،ص)9
اختاره متعمًدا ،وكان موفًقا في هذا الاختيار .وقبل إن التعليم – في أري طه حسين – هو أسا ُس الثقافة
الدخول في عرض وتحليل الفرق بين الثقافة والتعليم وهو كيانها ،ولقد اهتم طه حسين بالتعليم اهتما ًما
بال ًغا ،فقام بعرض نظمه وحدد مشكلاته ووضع لهذه
بوجه عام ،ينبغي الوقو ُف على معنى الثقافة عند المشكلات حلولاً .لقد أشار طه حسين إلى أهمية
طه حسين للانطلاق من أبعادها وملامحها للتمكن
من إنجاز مهمتنا في عرض الكتاب .لقد تتبع طه التعليم كأساس للثقافة ،وأكد أن «التعليم» هو السبيل
حسين المعاني المختلفة لكلمة «الثقافة» وركز على العملي لأن يصبح المرء مثقًفا ،وكان يقصد التعليَم
مفهومها وعلى تحديد أبعادها وملامحها ،فهى كلمة الجاد الذي ينشئ عقلية مبدعة فاحصة ناقدة ،لا
تردد كل يوم على الألسن «وقليل منا يحققها في التعليم القائم على الحفظ والترديد الذي يكرس الجهل
ذهنه ،ويستطيع أن يعرب إع ارًبا صحي ًحا عن معناها، والتخلف والتزمت ،ومن هنا جاء عنوان هذا الكتاب
شأنها في ذلك شأن ألفا ٍظ كثيرة تنطق بها الألسن «مستقبل الثقافة في مصر» ،فالتعليم ومستقبله هو
وتجري بها الأقلام ،وليس لها في نفس الذين ينطقون ل ُّب هذا الكتاب؛ ولهذا اهتم طه حسين في هذا الكتاب
بها معنى واضح أو صورة دقيقة» .وعندما تناول طه الذي نعرض له الآن ،برسم سياسة تعليمية متكاملة،
حسين كلمة «ثقافة» أعطاها عمًقا علمًّيا ،ومن ثَّم فوضع في هذا الكتاب الذي صدر منذ أكثر من
استقرت الكلمة عنده لتأخذ سمات متسعة ومتشعبة؛ ثمانين عا ًما يده على مفاتيح إصلاح التعليم.
فيصف الرجل المثقف بقوله« :هو هذا الرجل الذي
أخذ من العلوم والفنون بأط ارف تتيح له أن يحكم إن عميَد الأدب العربي طه حسين حين اختار
هذا العنوان بالذات «مستقبل الثقافة في مصر» قد
15