Page 13 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 13

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الواقع الافت ارضي مع آخرين – مجهولاً حًّقا‪ ،‬بمعنى‬                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫هل هو يمتلك حرية التخفي بشخصيته الحقيقية؟! أم‬
‫أن العكس هو الصحيح؛ لقد أجاب لوتشيانو فلوريدي‬                 ‫السؤال الشائع الآن بين المتعاملين مع هذه الوسائل‬
‫في الكتاب – الذي بين أيدينا – عن هذا السؤال‬                   ‫الاجتماعية الجديدة هو‪ :‬أين أنت الآن على خريطة‬
‫قائلاً إنه لم تعد الحرية في بناء هوياتنا الشخصية‬              ‫جوجل الحياتية‪ ،‬وليس على خريطة الواقع المادي‬
‫على شبكة الإنترنت هي الحرية في أن تبقى مجهولاً‪،‬‬
‫كما عبر عنها بيتر شتاينر في الكاركاتير الذي يقوم‬                                                    ‫الخارجي؟!‬
‫فيه كلب بكتابه رسالة بريد إلكتروني على الحاسب‪،‬‬
‫ويعترف لكلب آخر بأنه على شبكة الإنترنت لا أحد‬                 ‫لقد أصبح لدينا جي ٌل مفتوٌن بالفعل بهذا الواقع‬
‫يعرف أنك كلب! فذلك كان في التسعينيات من القرن‬                 ‫الافت ارضي الاصطناعي‪ ،‬وهو جيل لم يعد يتحمل أي‬
‫الماضي‪ ،‬أما الآن فإن فيس بوك أو جوجل أو أي من‬                 ‫شيء بطيء الخطى؛ إنه جيل يتألف من صور ذاتية‬
‫المؤسسات المعنية بالأمن يمكنها أن تعرف من أنت‪،‬‬                ‫(سيلفي‪ )seifles-‬ومن نظرة متمركزة على ذاته‪ ،‬ولم‬
‫إنك لم تعد تستطيع الكذب بسهولة بخصوص من‬                       ‫يعد جيلاً قادًار على تحمل مسئولية حقيقية‪ ،‬إذ إنه‬
‫أنت عندما ي ارقبك مئات الملايين من الناس(ص‪.)59‬‬                ‫دائ ًما ما يتوقع – تب ًعا للعالم المعلوماتي الافت ارضي‬
                                                              ‫لديه – أن كل شيء قابل للمحو أو للتعديل في أية‬
‫وفي كل الأحوال‪ ،‬فإن الإنسان هنا يمكنه أن‬
‫يمتلك حرية الكذب على الآخرين برسم صورة لنفسه‬                             ‫لحظة بضغطة على الزر الذي أمامه!!‬
‫غير الحقيقية التي هو عليها بعض الوقت‪ ،‬لكنه لن‬
‫يستطيع أن يمتلك هذه الحرية كل الوقت؛ إذ إن ما‬                 ‫والسؤال الذي أصبح بالفعل مل ًّحا وضرو ّرًيا‪ ،‬هل‬
‫يسربه عن نفسه من معلومات يمكن – رغم كل الحيل‬                  ‫أصبح الواقع فعلاً واقعين؟ واق ًعا افت ارضًّيا وواق ًعا‬
‫التي يتبعها في إخفاء معالم شخصيته – أن تكشف‬                   ‫مادًّيا؟! وأيهما أهم الآن؟! وعلى أي أساس يقيس من‬
‫رغم أنفه عن شخصيته الحقيقية‪ ،‬ومن جانب آخر فإن‬                 ‫يعيشون ويقدرون واقعهم سواء الأول أو الثاني مدى‬
‫كل من يمتلك جهاًاز يتعامل من خلاله‪ ،‬فإنه بالتأكيد‬
‫معروف لجهات الم ارقبة الأمنية الخاصة التي أنتجت‬                                      ‫حريتهم؟! ومدى سعادتهم؟!‬
‫هذه الأجهزة وتمتلك شفرة الوصول إلى مستخدمها أًيا‬
‫كان مكانه وأًيا كانت الوسائل التي يستخدمها للتخفي‪.‬‬            ‫لقد كنا فيما قبل نشوء ما يسمى بالواقع الافت ارضي‬
                                                              ‫نقيس حرياتنا بمدى مسئولية ك ٍّل منا عن أفعاله وبقدر‬
‫وإذا ما عدنا إلى ذلك التمييز السابق بين نوعي‬                  ‫استقلاله عن الآخرين في تصرفاته وفي تحقيق غاياته‬
‫الواقع‪ ،‬فإن هذا التمييز لم يعد من ناحية جامًدا كما‬            ‫الخاصة‪ ،‬أما الآن – وفي ظل هذا النوع الثاني من‬
‫كان في السابق‪ ،‬ومن ناحية أخرى لم يعد ثمة تناقض‬                ‫الواقع – ربما تكون قد اتسعت مساحة الحرية ولو‬
‫قوٌّي بين المعنيين؛ فمن الناحية الأولى فإن التحليل‬            ‫بصورة جزئية‪ ،‬فقد أصبح المرُء يمتلك حرية أن‬
                                                              ‫يكون مجهولاً تما ًما بالنسبة للآخرين كشخص مادي‬
                                                          ‫‪13‬‬  ‫حقيقي‪ ،‬ومع ذلك يقيم معهم علاقا ٍت ويعي ُش معهم‬

                                                                              ‫أحداثًا ويلعب معهم ألعاًبا‪ ...‬إلخ!!‬

                                                              ‫لكن السؤال الثاني سرعان ما يثور في الأذهان‪:‬‬
                                                              ‫هل أصبح ذلك الشخ ُص – الذي يعيش في هذا‬
   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18