Page 21 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 21

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫بين المواطنة العالمية وسيادة الدولة الوطنية‬

           ‫د‪ .‬أمل أنيس (جامعة الزقازيق )‬

‫لقد أفرز الفكُر الإنسان ُّي الحديث مجموعة متنوعة من المفاهيم الحضارية ال ُكبرى التي غَّيرت من صور‬
‫المتجمعات التقليدية وأشكال العلاقات السائدة بين الأف ارد والجماعات‪ ،‬ومن بين هذه المفاهيم التي ارتبطت‬

‫بتغي ارت مجتمعية سادت مختل َف بقاع العالم ومنها المجتمع المدني والديمق ارطية والعولمة والحرب الاستباقية‬
‫والأمن الإنساني والبيئة والسلام العالمي والمواطنة والأقمار الصناعية ووظائفها وشبكة الإنترنت ووسائل‬

                                                                           ‫التواصل الاجتماعي ‪ ..‬وغيرها‪.‬‬

‫دولة دون الأخرى بقدر ما أصبحت قضية عالمية‬                     ‫وقد لعبت تلك الظواهُر دورها الكبيَر في تطور‬
                             ‫تستهدف العالم كله‪.‬‬               ‫الوعي والثقافة الإنسانية وفي العلاقات الدولية‪ ،‬وفي‬

‫وتُشكل تطور فكرة المواطنة أي ًضا أحد تلك المفاهيم‬             ‫ذات الوقت جعلت المجتمعات الإنسانية الحديثة‬
‫الحضارية الكبرى التي حظيت باهتمام كبير طوا َل‬                 ‫تولي اهتما ًما كبيًار لقضايا التبادل والتعاون والعيش‬
‫العقود السابقة نتيجة ارتباطها بالدولة الوطنية الحديثة‬         ‫المشترك‪ ،‬على أساس فكرة المصير الإنساني الواحد‬
‫بصفتها مفهوًما اجتماعًّيا وسياسًّيا وقانونًّيا ُيحدد‬
‫شك َل العلاقة بين الفرد والدولة‪ ،‬فالمواطنة تعني‬               ‫التى رسختها تلك الظواهر‪ ،‬فعلى سبيل المثال لم‬
‫ببساطة المساواة الكاملة بين جميع الأف ارد في الحقوق‬           ‫تعد قضايا البيئة وتلوثها قضايا محلية ذا َت شأ ٍن‬
‫والواجبات دون أي تمييز بسبب النوع أو العرق أو‬                 ‫داخلي‪ ،‬بل أصبحت قضايا عالمية‪ ،‬فزيادة الانبعاث‬

   ‫الدين أو العقيدة أو اللون أو الطبقة الاجتماعية‪.‬‬            ‫الكربوني في بلد من البلدان سوف ُيزيد من تآكل‬
                                                              ‫طبقة الأوزون التي ستعاني منها الكرة الأرضية‬
‫وتختلف المواطنة من زمان لآخر ومن دولة لأخرى‪،‬‬
‫فبالتأكيد اختلف مفهوُم المواطنة منذ نشأته في العصر‬            ‫بجميع بلدانها وأقاليمها‪ ،‬كما لم تعد قضايا الأمن‬
‫الحديث مع ظهور الدولة القومية عنه الآن في الربع‬               ‫الإنساني – كقضية الإرهاب – مجرَد شأ ٍن وطن ٍّي‬
‫الأول من القرن الحادي والعشرين‪ ،‬وكذلك تختلف‬                   ‫داخلي‪ ،‬بل أصبحت قضية ذا َت طبيعة دولية تتأثر‬
‫المواطنة من دولة لأخرى‪ ،‬ففي الدولة الحديثة ذات‬                ‫بها جمي ُع الدول‪ ،‬فتنامي جماعات الإرهاب في‬
‫الأجناس والأع ارق المتعددة مثل الولايات المتحدة‬               ‫منطقة الشرق الأوسط لم يقتصر تأثيُرها داخ َل‬
‫الأمريكية تسعى المواطنة فيها لتكريس قيمة الولاء‬               ‫البلدان التي نشأت فيها‪ ،‬وإنما انتقلت عبر القا ارت‬
‫لدى الأف ارد الذين وفد أسلافهم من بلاد مختلفة‪ ،‬فمن‬
‫الطبيعي أنهم ينتمون إلى خلفيا ٍت ثقافي ٍة واجتماعية‬           ‫لُتلقي بآثارها ال ُمرة في تفجي ارت الحادي عشر من‬
‫وعقائدية متنوعة‪ ،‬هنا يصبح الهد ُف الأكبُر للمواطنة‬            ‫سبتمبر ‪2001‬م في الولايات المتحدة الأمريكية‬

                                                          ‫‪21‬‬  ‫والتي خّلفت نحو ما يزيد عن ثلاثة آلاف ضحية‪،‬‬
                                                              ‫وتكّبد العالم بأسره خسائَر تقَّدر بمليا ارت الدولا ارت؛‬
                                                              ‫لذا لم تعد هذه القضية شأًنا داخلًّيا قاصًار على‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26