Page 23 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 23

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫بعض الدول مثلما يسعى صندوق النقد الدولي‪ ،‬والبنك‬                                                  ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫الدولي إلى إملاء بعض السياسات غير إنسانية علي‬
‫بعض الدول كشرط للتقديم المساعدات الاقتصادية‬              ‫للخروج من هذا التاريخ الدموي سعت هذه الدول إلى‬
‫مثل تخفيض الإنفاق الحكومي على الدعم والخدمات‬             ‫إنشاء كيانات دولية كبرى‪ ،‬كما سعت إلى أن يتوفر‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى كثير من المشكلات‬             ‫لهذه الكيانات قدٌر كبيٌر من المصداقية في سبيل‬
‫والاضط اربات السياسية والاقتصادية كما حدث في‬             ‫تعزيز التعاون الدولي ومنع الص ارعات في المستقبل‪،‬‬
                                                         ‫وحل المشكلات الدولية بالطرق السلمية من أجل‬
           ‫اليونان والب ارزيل وغيرها من دول العالم‪.‬‬
                                                                                     ‫حماية السلام الدولي‪.‬‬
‫كل ذلك يدعونا إلى التفكير فيما إذا كان هناك‬
‫تعار ٌض بين السيادة الوطنية للبلاد مع فكرة المواطنة‬      ‫وكان نجاح منظمة الأمم المتحدة في تحقيق‬
‫العالمية والنظام العالمي الجديد؟ وهل يجوز أن يعتدى‬       ‫أغ ارضها مبرًار لظهور عديد من المنظمات والكيانات‬
‫النظام العالمي على سيادة الشعوب والدول تحت أي‬            ‫الدولية الكبرى التي انبثقت عنها‪ ،‬والتي اهتمت‬
                                                         ‫بالقضايا النوعية ذات الطبيعة الخاصة مثل محكمة‬
                           ‫مسمى من المسميات؟‬             ‫العدل الدولية ومنظمة اليونسكو ومنظمة التعاون‬
                                                         ‫الاقتصادي ومنظمة الأغذية والز ارعة ‪ FAO‬ومنظمة‬
‫في واقع الأمر تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى‬           ‫الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية‪ ..‬وغيرها من‬
‫تحديد وفهم معنى السيادة الوطنية للدولة‪ ،‬ومعرفة‬           ‫المنظمات‪ ،‬والتي تصدر عنها تقارير سنوية حول‬
‫المتغي ارت التي ط أرت علي هذا المفهوم‪ ،‬فغالًبا ما‬        ‫الشفافية والحرية والفقر وجودة التعليم والحكم الرشيد‬
‫ترتبط السيادة بالدولة ارتبا ًطا شديًدا بحيث لا يمكن‬      ‫ومعايير الجودة والاعتماد في كافة المجالات‪ ،‬كل‬
‫فهُم وجوِد دولة ما بدون أن يكون لها ح ُّق السيادة‬        ‫هذه المتغي ارت التي تشملها التقارير الدولية أصبح‬
‫على كل أ ارضيها وفي كل مجالاتها‪ ،‬وبالتالي يمكننا‬         ‫لها ثق ٌل كبير في تحديد مكانة وحجم الدولة وتحديد‬
‫القول بأن السيادة ترمز إلى كيان الدولة‪ ،‬وهي القوة‬        ‫علاقاتها على المستوى الدولي‪ ،‬كما أنها تنطلق من‬
‫أو السلطة العليا المطلقة في الدولة وتعد أي ًضا منبع‬      ‫معايير ومقاييس ذات مصداقية كبيرة على المستوى‬
                                                         ‫الإنساني؛ فإنها في نفس الوقت تعتبر أسا ًسا قوًّيا‬
                               ‫السلطات الأخرى‪.‬‬           ‫للحوار على المستوى الدولي في سبيل المصلحة‬

‫ولا بد من الإشارة إلى أن الدولة بمكوناتها المادية‬                                ‫الُفضلى للأف ارد والأوطان‪.‬‬
‫(السكان والأقاليم والمؤسسات) والمعنوية (الدستور‬
‫والقانون والثقافة واللغة) تستمد سيادتها من فكرة‬          ‫ورغم كل هذا‪ ،‬فإننا يمكننا القول بأن العدالة‬
‫المواطنة القائمة على سيادة الشعب بما لديه من قيم‬         ‫المطلقة والتمثيل العادل لكل دول العالم في تحديد‬
‫تحثه على معرفه مسئولياته والقيام بأدواره‪ ،‬ومعرفه‬         ‫سياسات تلك المنظمات الدولية لم يتحقق بعد‪ ،‬وما‬
‫حقوقه والمطالبة بها‪ ،‬كما أن السيادة تمثل أي ًضا‬          ‫ازلت تلك المنظمات تتأثر بسياسات المحاور المختلفة‬
                                                         ‫وبتوجيهات الدول ذات الثقل والنفوذ الكبير؛ مما يؤدي‬
    ‫الإ اردة العامة للشعب وهي فوق أية إ اردة فردية‪.‬‬      ‫في بعض الأحيان إلى التدخل غير العادل في سياسات‬

                                                     ‫‪23‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28