Page 48 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 48

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                ‫‪1-1-5‬عولمة الحقوق والواجبات‬                                                       ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫على الرغم من كثرة التنويعات فى أشكال المواطنة‬           ‫والحقوق الإيكولوجية(‪ .)08‬ويتوقف نجاح أى سياسات‬
‫على نحو ما سبق‪ ،‬فإنها جمي ًعا تدور فى فلك‬
‫المواطنة المرتبطة بالدولة الوطنية‪ ،‬وهى – فى أفضل‬        ‫فاعلة فى مجال المواطنة الإدماجية على قدرة تلك‬
‫الأحوال – عبارة عن تنويعات لتطوير مفهوم المواطنة‬        ‫السياسات فى ضمان حقوق متساوية للجماعات‬
‫العمومية داخل إطار الدولة فى اتجاه توسيع نطاق‬           ‫المهمشة‪ .‬وترتكز المواطنة الاحتوائية على أربعة قيم‬
‫الحقوق المختلفة سعًيا لتحقيق العدالة للجميع‪ .‬غير‬        ‫أساسية مرجعية لكافة سياسات الإدماج الاجتماعى‬
‫أن النموذج الوطنى للمواطنة أصبح يوا َجه بتحديات‬         ‫والاقتصادى والسياسى للفئات المستبعدة وتشمل تلك‬
‫كبيرة عالمية تتجاوز حدود الدولة الوطنية وتفرض‬           ‫القيم‪ :‬العدالة‪ ،‬والاعت ارف بالاختلاف‪ ،‬وحق تقرير‬
‫شكلاً جديًدا للمواطنة‪ ،‬هكذا تشير الكتابات الحديثة‬       ‫المصيري؛ وهو ما يعنى أن يكون لكل جماعة الحق‬
‫إلى هذا النوع الجديد من المواطنة بأسماء مختلفة‬          ‫فى أن تقرر لنفسها ما ت اره مناسًبا فى حياتها‪ ،‬وأخيًار‬
‫مثل‪ :‬المواطنة العولمية‪، global citizenship‬‬
‫والمواطنة الكونية‪cosmopolitan citizenship‬‬                                        ‫التضامن الاجتماعى(‪.)18‬‬
‫وهناك كتابات أخرى تعبر عن هذا المعنى بمصطلح‬
‫المواطنة العابرة للجنسي ة �‪transnational citizen‬‬        ‫وبصفة عامة تواجه سياسات المواطنة المتعددة ثقافًّيا‬
‫‪ .ship‬وكل تلك المصطلحات تشير إلى نوع جديد‬               ‫فى دول أوربا مشكلتين رئيسيتين‪ :‬الأولى‪ :‬تتمثل فى‬
‫من المواطنة يعتمد على حقوق كثيرة تتسع لكل البشر‬         ‫التنوع الإثنى لتدفقات المهاجرين من طالبى اللجوء‬
‫فى كل مكان من منطلق عضويتهم التى تتجاوز‬                 ‫الذى أدى إلى صعوبات فى توفير الاحتياجات‬
‫حدود الانتماءات المحلية وحدود الدولة والحدود‬            ‫المت ازيدة من البنية الأساسية والخدمات لكل جماعة‪،‬‬
                                                        ‫الصعوبة الثانية‪ :‬تشير إلى أن الاستقلال الثقافى لكل‬
                 ‫الإقليمية إلى آفاق إنسانية أرحب‪.‬‬       ‫جماعة أثبت أنه غير كا ٍف لمواجهة المشكلات الأكثر‬
                                                        ‫إلحا ًحا التى تواجه المهاجرين مثل البطالة والتهميش‬
‫وحول التحول إلى نموذج المواطنة العالمية يشير‬            ‫الاجتماعى والثقافى(‪ ،)28‬وهذا يعنى أن تحديات‬
‫هابرماس إلى أن‪" :‬المواطنة الديمق ارطية يمكن أن‬          ‫المواطنة المتعددة ثقافًّيا ليست ثقافية بقدر ما هى‬
‫تمهد الطريق لتحقيق المواطنة العالمية التى لا تغلق‬       ‫اجتماعية واقتصادية وسياسية(‪ ،)38‬ولها أعباء متعددة‬
‫نفسها داخل انحيا ازت الخصوصية وتتقبل شكلاً‬              ‫فيما تفرزه من مشكلات اجتماعية وما تقتضيه من‬
‫واس ًعا لعالم من التواصل السياسى‪ .‬وقد أكدت ذلك‬          ‫موازنات كبيرة‪ ،‬وما يصاحبها من ص ارعات سياسية‬
‫الحرب الفيتنامية وحرب الخليج والتغي ارت الثورية فى‬      ‫تعيد إحياء التصو ارت النمطية والعنصرية الثقافية فى‬
‫وسط أوربا"‪ .‬وعلى القوى العظمى‪ ،‬بحسب تعبير‬               ‫المجتمعات الغربية‪ .‬وهذا يوضح إلى أى مدى تواجه‬
‫هابرماس – أن تعترف بالاحتجاجات الواسعة فى‬               ‫الدول الليب ارلية صعوبات فى تكوين مجتمع قائم على‬
‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬كما أن طبيعة الدول العدوانية‬         ‫التعددية رغم ما حققته تلك الدول من نجاحات كبيرة فى‬
                                                        ‫تحقيق الديمق ارطية والعدالة الاجتماعية‪ .‬ويرى بعض‬
                                                        ‫الم ارقبين أن الدعوة للتعددية الثقافية قد شارفت على‬
                                                        ‫انتهائها وأنها أخفقت فى بلوغ غاياتها وأنها لا تعدو‬
                                                         ‫أن تكون تعبيًار عن شكل جديٍد للمجتمع المدنى(‪.)48‬‬

                                                    ‫‪48‬‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53