Page 59 - التنوير 6-8 2
P. 59
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
وإذا حاولنا أن نحلل أرى جون ستيو ارت “مل” السابق مجلــــــــــــــــة
من منظور وسائل الإعلام الجديد وعصر الإنترنت
الذى لم يعاصره “مل” ،فإن كل شخص يحق له إذا ما امتدت حرية التعبير إلى “ازد ارء الأديان” ،أو
أن يعبر عن آ ارئه ومعتقداته ،ويتجاوز بتلك الآ ارء دافعت عن تجارب علمية بحثية تتعارض مع القيم
حدود الأوطان وسيادة الدول ،وقد تكون آ ارؤه خاطئة الأخلاقية والإنسانية أو الإض ارر بحريات وحقوق
ومضللة لل أرى العام المحلى والعالمى ،لكن مواجهة الآخرين والتدخل فى خصوصياتهم أو دعم العنصرية
هذه الآ ارء .لن تتم بقمعها ومنعها؛ لأن هذا الأمر
أصبح مستحيلاً ،فى ظل معطيات ومتطلبات العصر والتمييز والإرهاب.
الحالى ،وإنما تتم المواجهة وإثبات الزيف والتضليل
عن طريق تنمية مها ارت الفرد بالتفاعل الأمن مع ومن الجانب الفلسفى يعد الفيلسوف البريطانى
وسائل الإعلام الجديد عبر شبكة الإنترنت من مواقع جون ستيوارت مل 1806( John Stuart Mill
إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك - )1873-من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن
تويتر – انستج ارم ...وغيرها) تحت ما يسمى بالتربية أى أرى مهما كان هذا ال أرى غير أخلاقى فى نظر
الإعلامية للمواطن ،والتي يتم من خلالها تدريب الفرد البعض؛ حيث جاء فى كتابه “فى الحرية On liberty
على تطبيق المنهجين النقدي والتحليلي على أي “الذى صدر عام 1859م“ ،لو أن كل البشرية ما
محتوى إعلامي ،والبحث عن مصدادر المعلومات عدا شخ ًصا واحًدا فقط ،كانوا متفقين على أرى واحد،
الصادقة ،كى يصبح لدى المتلقى الحصانة الكافية وكان ذلك الشخص الواحد له أرى مغاير ،فإن البشرية
للتمييز بين الآ ارء والأفكار المختلفة ،وانتقاء ما يحقق كلها لن يكون لها الحق فى إسكات ذلك الشخص،
رغباته ويضمن حرياته ويحقق أمنه وسلامة محيطه أكثر من حقه هو ،لو أنه أمتلك السلطة وأقدم على
ومجتمعه ،وإهمال ونقد ما يخالف ذلك ،ولم يكن مل إسكات البشرية ،فإذا اعتبر أن ال أرى الشخصى ملكية
معاصًار لهذا التقدم التقنى الذى أصبح فيه أرى الفرد شخصية لا قيمة له إلا بالنسبة لمالكيه ،فإن إسكاته
وإعاقته عن تعبيره عن أريه يعد فى هذه الحالة قدًار
لا يمكن قمعه من المجموع. خا ًّصا ،ولكن إذا كان الضرر قد ألحق بقليل من
الأشخاص أو العديد منهم فإنه سرقه للجنس البشري،
ولعل نظرية المسئولية الاجتماعي ة �Social re وللأجيال المتتالية والجيل الموجود حالًيا على حد
sponsibility theoryمن أكثر النظريات التي سواء؛ حيث إن هؤلاء المنشقين عن ال أرى ،أكثر
أكدت على أن حرية التعبير حق وواجب ومسئولية، من الذين يعتقدون به ،فإذا كان ال أرى صائًبا ،فإنهم
تتطلب الت ازم وسائل الإعلام بواجبات ومسئوليات تجاه سيحرمون من استبدال الخطأ بالصواب ،وإذا كان
المجتمع ،ووضع معايير مهنية للإعلام والإعلاميين، خاطًئا ،فإنهم سيخسرون ما يعد فائدة عظيمة ،وهى
للارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي ،فى إطار قانونى إد ارك أكثر وضو ًحا عن الحقيقة ،التى تنتج من خلال
وفى سياق المواثيق وأخلاقيات العمل الإعلامى. ص ارعها مع الخطأ”.1
نشأت نظرية المسئولية الاجتماعية كرد فعل على )1جون ستيورات مل ،ترجمة :هيثم كامل الزبيدى ،عن
الحرية ،منتدى مكتبة الإسكندرية ،ص.23:
59 www.alexandria.ahlamontada.com