Page 64 - التنوير 6-8 2
P. 64

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما حذر من‬                                                           ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫التنطع في القول والتطرف في ال أري؛ حيث قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪“ :‬هلك المتنطعون‪،‬‬                 ‫عليهما‪ ،‬لا علاقة له بالدين الذي ينتميان إليه‪ ،‬وإنما‬
‫هلك المتنطعون‪ ،‬هلك المتنطعون” (صحيح مسلم‬                       ‫نتيجة مرض نفسي وضغط عصبي لم يتم علاجه‪.‬‬

                                       ‫‪.)2670‬‬                 ‫وقد استغلت بعض التيا ارت الغربية هذه الأفكار‬
                                                              ‫للوصول إلى أهداف بعضها معلن‪ ،‬والبعض الأكثر‬
‫فالمسلم الحق يؤمن بأن التشدد والغلو في العقيدة‬                ‫خطورة منها ما ازل مستوًار‪ .‬وتدفع الشعوب الثمن‬
‫يؤدي إلى الكفر والضلال‪ ،‬ويؤمن بمدى أهمية إقامة‬                ‫من استق اررها ووحدتها‪ ،‬وهو ما شاهدناه في البلدان‬
‫دولة العدل‪ ،‬لا دولة رجال الدين؛ حيث إنه من‬                    ‫العربية‪ ،‬التي بعد إسقاط أنظمتها ظهرت جماعات‬
‫الضروري وجود الاعتدال كمدخل رئيسي لممارسة‬                     ‫متطرفة مرتدية ثوب الإسلام‪ ،‬تحاول الترويج لأفكارها‬
‫الحقوق العقائدية والثقافية والاقتصادية والمجتمعية‬             ‫من خلال العنف والقتل والتدمير والإرهاب‪ .‬وهو‬
‫والسياسية ثم المدنية؛ ومن ثم تحقيق التنمية والتقدم‬            ‫ما تابعناه في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة‪،‬‬
                                                              ‫من خلال ما حدث في سيناء المصرية وفي تونس‬
  ‫والتطور لمجتمعنا المصري خاصة والعربي عامة‪.‬‬                  ‫الخض ارء وفي ليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول‬

‫فما زلت أتذكر أستاذة التوحيد والفقه في المرحلة‬                                                         ‫العربية‪.‬‬
‫الإعدادية بالرياض حين ذكرت الآثار المصرية‬
‫أثناء شرحها لدرس عن الكفار وعبادة الأصنام‪ ،‬مما‬                ‫فالتعصب لل أري وشيوع فتاوى القتل والتكفير‪،‬‬
‫جعلني كمسلمة مصرية أعترض على ذلك؛ فأنا أفتخر‬                  ‫سواء كان سياسًّيا تجاه حزب سياسي أو دينًّيا تجاه‬
‫بمصريتي وتاريخي الفرعوني وآثار مصر العظيمة‪،‬‬                   ‫جماعة دينية بعينها‪ ،‬يهدد الأمم والمجتمعات بالشقاق‬
                                                              ‫والتنافر‪ ،‬ويتعارض مع مبادئ الإسلام الذي ينادي‬
                           ‫فما علاقة هذا بذاك؟!‬               ‫بالإنسانية وسلام البشرية؛ حيث يؤمن المسلمون‬
                                                              ‫بقبول ال أري الآخر بعيًدا عن التعصب والتشدد‬
‫وفي المرحلة الثانوية في القاهرة‪ ،‬في حصة مادة‬                  ‫والتحجر الفكري؛ والعمل على تحليل مختلف الآ ارء‬
‫الفلسفة والمنطق‪ ،‬أتذكر معلمة المادة التي تشرح‬                 ‫في جميع القضايا للوصول إلى نتائج سليمة تحفظ‬
‫درس الشيخ الغ ازلي وتخبرنا كيف وصل هذا الشيخ‬                  ‫وحدة المجتمع وتأخذ بيده نحو التقدم والازدهار؛‬
‫الجليل إلى مرحلة استطاع فيها أن يعلم الغيب! مما‬               ‫ولذلك من الضروري أن يكون هناك وعي بالعقيدة‬
‫جعلني أعترض عليها وأو ّجه سؤالاً لم يتم الرد عليه!‬            ‫الإسلامية الصحيحة لمواجهة تلك الموجات والتيا ارت‬
‫هذا السؤال هو “كيف تخبريننا أن الشيخ الغ ازلي‬
‫وصل إلى معرفة الغيب ورسول الله صلى الله عليه‬                                                  ‫الفكرية المتطرفة‪.‬‬
‫وسلم لم يعلم الغيب؟!” فقد تربيت على أن الغيب لا‬
                                                              ‫إن الوسطية والاعتدال هما منهج الدين الإسلامي‪،‬‬
                            ‫يعلمه إلا الله سبحانه‪.‬‬            ‫ولكن للأسف نحن في هذه الآونة لا نعرف منهج‬
                                                              ‫الوسطية الذي تقوم عليه الشريعة الإسلامية‪ ،‬حتى‬
‫إن هذه التساؤلات مثال بسيط لما تبادر في عقلي‬                  ‫في الأحكام الفقهية والفتاوى‪ .‬وسوف أستدعي حديث‬
‫كمصرية عربية مسلمة؛ فالعقول الجامدة والمتشددة‬

                                                          ‫‪64‬‬
   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69