Page 70 - التنوير 6-8 2
P. 70

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬

‫متشعبة أخرى بعيدة كل البعد عن المعتقد الديني؛‬                 ‫من المهم التعرف على قضايا المجتمعات العربية‬
‫وأن أشكال المقاومة والعنف الثوري والعدوان الدفاعي‬             ‫المختلفة بصورة واقعية وعدم ربطها بالدين؛ حيث‬
‫أو الهجومي لا ترتبط بالدين‪ ،‬بل ترتبط بمشاعر‬                   ‫هناك العديد من التساؤلات التي يمكن إثارتها في هذا‬
‫وطنية إنسانية وإشكاليات اجتماعية واقتصادية وأبعاد‬             ‫الصدد وهي‪ :‬هل توجد علاقة ارتباطية موجبة بين‬
‫تاريخية وتدخلات وأطماع سياسية سلطوية‪ ،‬بل قد‬                   ‫كتابات الغرب عن الإسلام والفهم الخاطئ له؟ وهل‬
‫ترتبط بأم ارض نفسية‪ .‬وهذا ما ساهم في تأصيله‬                   ‫توجد اختلافات بين كتابات الدول الغربية في نظرتها‬
‫العديد من الرؤى النظرية العالمية؛ حيث هناك العديد‬             ‫للدين الإسلامي؟ وهل توجد علاقة ارتباطية موجبة‬
‫من النظريات الغربية التي لم تربط العنف بالأديان‬               ‫بين إرهاب التيا ارت المتأسلمة المتطرفة والخوف‬
‫السماوية‪ ،‬بل لأسباب أخرى بعيدة كل البعد عن‬                    ‫من المسلمين؟ وما مدى تأثير ذلك في المجتمعات‬
‫الدين والمعتقد‪ .‬لعل من أهمها ما جاء به المفكر‬                 ‫العربية اقتصادًّيا وسياسًّيا واجتماعًّيا؟ ومن المسئول‬
‫الفرنسي “ف ارنز فانون” “‪ ،”Frantz Fanon‬الذي‬                   ‫عن انتشار تلك الأفكار‪ :‬الشرق أم الغرب أم كلاهما‬
‫يعد أحد أبرز من كتب عن النضال والثورة في القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وألهمت كتاباته ومواقفه كثيًار من حركات‬                                                           ‫م ًعا‪.‬‬

                 ‫التحرير والحرية في أرجاء العالم‪.‬‬                              ‫المدخل النظري للإسلاموبيسيزم‪:‬‬
‫يحلل “فانون” في كتابه الشهير “ ُمعَّذبو الأرض”‬                ‫يظل للنظريات دور مهم في تلخيص الحقائق العلمية‬
‫مفهوم الهوية‪ ،‬ويقدم طرًحا جديًدا لموضوع العنف؛‬                ‫وتصنيفها‪ ،‬وإيجاد العلاقات وتفسير النتائج؛ حيث‬
‫فهو لا ينظر إلى العنف الثوري على أنه مجرد عنف‬                 ‫يهدف هذا الكتاب إلى رسم صورة حول رفض التطرف‬
‫مضاد للعنف الاستعماري الهمجي كما يظن محاربو‬                   ‫والعنف بكل أشكاله وألوانه في كل الأديان السماوية‪.‬‬
‫العنف‪ ،‬بل له وظيفة تحررية تقوم على الاعت ارف‬                  ‫يخبرنا بروفيسور “أحمد حجازي” أستاذ علم الاجتماع‬
‫بالهوية وبالثقافات التي عمل الاستعمار على محوها‬               ‫في كتابه حول أزمة الخطاب الثقافي بأن النظرية‬
‫والتقليل من شأنها؛ فالعنف وفًقا “لفانون” له وظيفة‬             ‫الغربية تتحاور في علم السوسيولوجيا منذ نشأتها مع‬
‫اجتماعية ونفسية تتعلق بعودة الوعي واكتشاف‬                     ‫وقائع وأزمات متكررة ومتجددة أّدت إلى تشكيل رؤى‬
‫الهوّية؛ حيث يصعب تصور التحرر من دونها(‬                       ‫نظرية متمايزة‪ ،‬بالإضافة إلى أن هذا التمايز في‬
                                                              ‫البناء النظري دلي ٌل آخر على انعكاس واقع اجتماعي‪،‬‬
                         ‫فانون‪-‬ف ارنز‪1984 ،‬م)‪.‬‬                ‫يمثل مصالح طبقية وسياسية محددة؛ ولذلك يصعب‬
‫يرى “فانون” أنه عندما يكون المستع ِمر سبب العنف‪،‬‬              ‫الفصل بين الواقع ومشكلاته من جانب والتطور‬
‫فمن البديهي أن يكون هناك رد فعل عنيف من أهل‬                   ‫الفكري من جانب آخر والإطار الأيديولوجي الذي‬
‫البلاد المضط َهدين ضده مهما بلغت شدته‪ ،‬وينادي‬
‫“فانون” بأن من حق الضحية ألا تمتنع عن اللجوء‬                            ‫يشكل محاور هذا البناء من جانب ثالث‪.‬‬
‫إلى كل وسيلة تكفل تفكيك مستعمرها‪ ،‬فلماذا يكون من‬                                ‫أولاً‪ :‬الإسلاموبيسيزم ‪ -‬لا عنف‬
‫واجب الضحية أن تستسلم لقاهرها وتعّلمه الأخلاق‬
                                                              ‫ينطلق مفهوم “الإسلاموبيسيزم” من أن الإسلام دين‬
                                                          ‫‪70‬‬  ‫سلام ولا علاقة بين العنف والدين‪ ،‬وإنما هناك أسباب‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75