Page 71 - التنوير 6-8 2
P. 71

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

                                                                                 ‫مجلــــــــــــــــة‬

                 ‫ثانًيا‪ :‬الإسلاموبيسيزم ‪ -‬لا ص ارع‬                                                ‫السلمية؟‬
‫يرتبط الص ارع بأغ ارض اجتماعية وسياسية لا دينية‬           ‫وهناك نظريات غربية صنفت العنف والعدوان ولم‬
‫في سبيل الحصول على القوة والسيطرة؛ حيث يعتبر‬              ‫تربط هذا التصنيف أو التمييز بالأديان السماوية‪.‬‬
‫الص ارع شكلاً من أشكال النضال أو الكفاح‪ .‬وقد‬              ‫ولعل من أهمها نظرية النزعة التدميرية “لإريك فروم”‬
‫يكون مباشًار أو ضمنًّيا‪ ،‬وقد يكون وظيفًّيا؛ حيث‬           ‫“‪ ”Erich Fromm‬الذي على التوضيح الدقيق‬
‫يساعد في التغير والوحدة والتضامن‪ .‬وقد أُشير إليه‬          ‫للمصطلحات التي يستخدمها لصياغة نظريته حول‬
‫منذ “ابن خلدون” و”ميكافيللي” ‪ .Machiavelli‬وذكر‬            ‫النزعة التدميرية؛ لتجنب الخلط الشائع في الكثير من‬
‫“توماس هوبز” ‪ Thomas Hobbes‬أنه في سبيل‬                    ‫الكتابات التي اهتمت بالموضوع؛ حيث نجد أنه في‬
‫القوة يجاهد الفرد لتحقيق رغباته‪ ،‬وأنه في حالة الفطرة‬      ‫نظريته مّيز بين العنف “‪ ”La violence‬والعدوان‬
‫السابقة على حالة الدولة بالمعنى السياسي‪ ،‬كان كل‬           ‫”‪ ”Aggression‬والتدمير “‪”Destruction‬؛ حيث‬
‫إنسان يطلب الحفاظ على حياته وهذا يؤدي إلى‬                 ‫أكد على بديهية لا نقاش فيها تتمثل في وجود العنف‬
‫حالة حرب الجميع ضد الجميع‪ .‬أما “ماركس” ‪Karl‬‬               ‫في كل المجتمعات البشرية‪ ،‬والتي تمارسه بأساليب‬
‫‪ ،Marx‬فقد أكد أن كل مجتمع حتى يومنا هذا هو‬                ‫مختلفة‪ .‬ويعطي “فروم” أمثلة كثيرة عن هذا كعنف‬
‫تاريخ ص ارع‪ ،‬ويؤدي الص ارع الاجتماعي والسياسي‬             ‫الرجال ضد النساء والكبار ضد الصغار‪ ،‬إلا أن‬
‫إلى تغيير في توزيع القوة‪ .‬وهناك من ذهب إلى‬                ‫هذا العنف لا يتحول إلى عدوان؛ لأن له مؤسسات‬
‫المثالية أمثال “سان جوست” ‪Saint-Just‬؛ حيث‬
‫أكد أن البشر بطبيعتهم ينزعون إلى السلام ولا يمكن‬            ‫اجتماعية تنظمه وتحدده وتمنع تحوله إلى عدوان‪.‬‬
‫أن تصبح القوة مبرًار لتجميعهم أو تشتتهم‪ .‬وتعتبر‬           ‫يرى “فروم” أن العدوان في المجتمعات البشرية يكون‬
‫المشاركة السياسية التقليدية وسيلة لحل الص ارع بين‬         ‫موج ًها إلى الآخر‪ ،‬الذي ينتمي غالًبا إلى جماعة‬
‫المجتمع والدولة من خلال الشرعية؛ حيث يتميز‬
‫البناء السياسي للدولة بالسلطة والقوة‪ ،‬فلا يمكن أن‬                   ‫مختلفة؛ وهو يصنف العدوان إلى نوعان‪:‬‬
‫يظل مجتمع في حالة توتر؛ لذلك يكون الهدف هو‬                ‫أولاً‪ :‬عدوان دفاعي‪ ،‬ويقصد به المقاومة التي تصدر‬
‫الوصول للتوافق‪ .‬وتكمن المحاولة الرئيسية التي‬              ‫عن جماعة ضد عدوان تفرضه عليها جماعة أخرى‪.‬‬
‫تفسر نظرية الص ارع تفسيًار فلسفًّيا في كتابات “كارل‬       ‫وثانًيا‪ :‬عدوان هجومي‪ ،‬ويقصد به مبادرة جماعة إلى‬
‫ماركس”‪ ،‬إذ يعتقد أن طبيعة العلاقات الاجتماعية‬             ‫الهجوم على جماعة أخرى لاحتلال أرضها أو سلب‬
‫للإنتاج هي التي تسبب الص ارع الذي ينعكس في‬                ‫ممتلكاتها والسيطرة عليها أو استعبادها‪ .‬والتدمير في‬
                                                          ‫نظره من أشد أنواع العدوان الهجومي تطرًفا وتدميرية‪،‬‬
      ‫جميع المؤسسات الاجتماعية ومنها المجتمع‪.‬‬             ‫وهو لا يوجد إلا في نسبة قليلة نسبًّيا من المجتمعات‬
                                                          ‫والشخصيات البشرية‪ .‬وفي نمط العدوان التدميري‪،‬‬
        ‫ثالًثا‪ :‬الإسلاموبيسيزم ‪ -‬لا تطرف‬                  ‫يكون هدف الجماعة هو قتل الآخر وإبادته‪ ،‬وليس‬
                                                          ‫مجرد استغلاله‪ ،‬كما هو الحال في حالة العدوان‬
‫يرفض المسلمون كل أشكال الأصولية التي اتخذها‬
                                                                                         ‫(فروم‪2006 ،‬م)‪.‬‬

                                                      ‫‪71‬‬
   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76