Page 5 - كتاب النبأ العظيم
P. 5

‫البحث عن مصدر القرآن‬

‫لا يمكن ان يكون هذا القرآن ايحاء ذاتيا من عند النبي –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وإن كان بعض الجهلاء‬
‫يدعون أن المصطفى –صلى الله عليه وسلم– كان يتمتع بذكاء فطري وبصيرة تمكنه من إدراك الحق‬
‫والباطل‪ ،‬والحسن والقبيح من الأخلاق‪ ،‬والخير والشر في الأفعال‪ ،‬ولكن هل كل ما في القرآن مما يمكن‬
‫استنباطه بالعقل والتفكير وما يُدركه الوجدان والشعور؟ كلا‪ ،‬ففي القرآن جانب كبير لا سبيل إلى علمه إلا‬
‫بالدراسة والتلقي كالحقائق التاريخية‪" ،‬تِ ْل َك ِم ْن أَنبَاء ا ْلغَ ْي ِب نُو ِحي َها ِإ َل ْي َك َما ُكن َت تَ ْعلَ ُم َها أَن َت َولاَ قَ ْو ُم َك ِمن‬
‫َق ْب ِل َهـ َذا"‪ ،‬وأيضا يحتوي القرآن معاني غير الحقائق التاريخية مما لا يمكن استنباطها بالعقل‪ ،‬كالحقائق‬
‫الدينية الغَ ْيبية‪ ،‬وأنباء المستقبل التي لا سبيل فيها لليقين إلا بالوحي الصادق‪" :‬قُل ّلَئِ ِن ا ْجتَ َمعَ ِت ال ِإن ُس َوا ْل ِج ُّن‬
‫َعلَي أَن َيأْتُو ْا بِ ِم ْث ِل َهـ َذا ا ْلقُ ْرآ ِن لاَ َيأْتُو َن بِ ِم ْث ِل ِه َو َل ْو َكا َن بَ ْع ُض ُه ْم ِلبَ ْع ٍض َظ ِهيرا"‪ ،‬وقوله تعالى‪َ " :‬سيُ ْه َز ُم ا ْل َج ْم ُع‬
‫َويُ َولُّو َن ال ُّدبُر"‪ ،‬حتى أن سيدنا عمر –رضي الله عنه– لما نزلت هذه الآية جعل يقول‪ :‬أ ُّي جمعٍ هذا؟ فلما‬

                                                               ‫كان يوم بد ٍر رأي ُت رسول الله يقولها‪.‬‬
‫إذا لا مناص لنا الآن من الاعتراف بأن ُمحمدا –صلى الله عليه وسلم– أخذ القرآن عن ُمعلم فمن هو ذلك‬
‫المعلم؟‪ ،‬هل هو ُمعلم من قومه الأمــيــين الذين فقدوا أساس العلم حتى اشتُق لهم من الجهل اسم "الجاهلية"؟‬
‫ولو بحثنا عنه بين أهل العلم الذين ل ِق َيهم النبي قبل البِعثة فهو (بُحيرا) في سوق (بُصرى) بالشام‪ ،‬و (ورقة‬
‫بن نوفل) قبل إعلان نبوته بثلاثين شهرا‪ ،‬وكان معه في كل مرةٍ شاهد‪ ،‬و ِل َم ل ْم يحدثنا التاريخ بهذا الحدث‬
‫العجيب الذي جمع في تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن كاملة؟! ولماذا لم يتخذ خصومه من هذه الحجة‬
‫الواضحة سلاحا لهدم دعواه وإبطال أمره؟! إن سكوت التاريخ عن هذا كله ُحجةٌ كافية على عدم وجوده‪،‬‬
‫فلقد كان موقفه –صلى الله عليه وسلم– من علماء عصره موقف المصحح لما حرفوا‪ ،‬الكاشف لما كتموا‪:‬‬
‫"يَا أَ ْه َل ا ْل ِكتَا ِب قَ ْد َجاء ُك ْم َر ُسولُنَا يُ َبيِ ُن َل ُك ْم َك ِثيرا ِم َّما ُكنتُ ْم تُ ْخفُو َن ِم َن ا ْل ِكتَا ِب َويَ ْعفُو َعن َك ِثي ٍر َق ْد َجاء ُكم ِم َن‬

                                                                             ‫ّلل ِا نُو ٌر َو ِكتَا ٌب ُّمبِين"‪.‬‬

                                                             ‫‪4‬‬
   1   2   3   4   5   6   7   8   9   10