Page 6 - كتاب النبأ العظيم
P. 6
فمن يز ُعم أن للرسول –صلى الله عليه وسلم– ُمع ِلما من البشر ،فليقل لنا اسم هذا المعلم ومتى كان ذلك؟
لقد طوعت لهم أنفُسهم أن يقولوا" :إنما يُعلمه بشر" ،ولكن لم يستطيعوا أن يلتمسوا شخصا ينسبون له هذا
التعليم ،ولقد كانوا في قرارة أنفسهم غير مطمئنين إلى رأي صالح ير َض ْونه ،فكلما وضعوا أيديهم على
رأي وأرادوا أن ين ِسجوا منه للقرآن ثوبا وجدوه نابيا غير صالح ،فيفزعون إلى رأي ثا ٍنَ " :ب ْل َقالُو ْا أَ ْض َغا ُث
أَ ْحلاَ ٍم بَ ِل ا ْفتَ َراهُ َب ْل ُه َو َشا ِع ٌر" ،فهذه الآية تُريك صورة شاهد الزور إذا شعر بحرج موقفه كيف يتقلب
ذات اليمين وذات الشمال.
تَبَين لنا الآن أن هذا القرآن ليس من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم ،-وأن مصدره ليس ُمعل ٌم من البشر
تلقى منه النبي هذا القرآن ،فلنبحث إذا عن مصد ٍر في أفق خارج هذا المصدر الإنساني.
كلنا يعر ُف هذه الظاهرة العجيبة –ظاهرة الوحي– التي كانت تبدو على وجهه الكريم حين يُنزل عليه
القرآن ،فكان من حوله يرونَه وقد احمر وجهه حتى يتف َّصد جبينه عرقا ،ويثقُل جسمه حتى يكاد يُر ُّض
فخذه فخذ الجالس إلى جانبه ،وحتى لو كان راكبا لبركت به راحلته ،وكانوا مع ذلك يسمعون عند وجهه
أصواتا مختلطة تشبه دوي النحل ،ثم لا يلبث أن تسري عنه تلك ال ِشدة ،فإذا مر يتلو قرآنا جديدا ُمحدثا .لم
تكن حالة اختيارية ،فكثيرا ما التمسها النبي –صلى الله عليه وسلم– ولم يظفر بها إلا حين يشاء الله ،وكذلك
كانت حالة غير عادية ،فقد كانت ت ْعروه فجأة وتزول عنه فجأة ،وتنقضي في لحظات يسيرة ،لقد كانت هذه
الظاهرة مبعث نور ومصدر علم تخضع له العقول لحكمته ،وتُضاء له الأنوار عند طلعته ،وهذا يجعلُها
تناقض تماما الأعراض المرضية والنوبات العصبية.
هي إذا قوة خارجية لا تتصل بالنفس المحمدية إلا حينا بعد حين ،وهي لا محالة قوة عا ِلمة ،لأنها توحي
إليه علما ،وهي قوة معصومة محفوظة من كل شيطا ٍن رجيمَ " :و َما تَنَ َّزلَ ْت ِب ِه ال َّشيَا ِطين َو َما يَن َب ِغي َل ُه ْم َو َما
َي ْستَ ِطيعُون" ،فماذا عسى ان تكون هذه القوة ان لم تكن معك قوة ملك كريم؟
5