Page 8 - كتاب النبأ العظيم
P. 8
وقـــد يقـــول قائـــل إن عجـــز العـــرب لـــيس خصوصـــية للقـــرآن ،بـــل لأن أســـلوب كـــل قائـــل
صــورة نفســه فــلا أحــد غيــره يســتطيع أن ي ِحــل محلــه ،قلنــا لــه إننــا حــين نتحــدى النــاس لا
نطـــالبهم أن يجيئونـــا بـــنفس صـــورته الكلاميـــة ،بـــل نـــدعوهم إلـــى التماثـــل أو المقاربـــة فيـــه،
وهو هذا القدر الذي يتنافس فيه البلغاء.
إن أول مــــا يلاقيــــك ويســــتدعي انتباهــــك فــــي أســــلوب القــــرآن هــــو الجمــــال التــــوقيعي فــــي
توزيــــع حركاتــــه وســــكناته ،و َمداتــــه و ُغناتــــه ،ســــتجد فيــــه اتســــاقا وائتلافــــا يســــترعي مــــن
ســــمعك مــــا تســــترعيه الموســــيقى والشــــعر ،علــــى أنــــه لــــيس بأنغــــام الموســــيقى ولا أوزان
الشعر .إنه لح ٌن متنوع متجدد.
الأمـــر الثـــاني :هـــو الجمـــال التنســـيقي فـــي رصـــف حروفـــه وتأليفهـــا مـــن مجموعـــات مؤتلفـــة
فتـــرى كلامـــا لـــيس بال َح َضـــري الفـــاتر ولا بالبـــدوي الخشـــن ،بـــل تـــراه قـــد امتزجـــت فيـــه
جزالــــة الباديــــة وفخامتهــــا بِ ِرقــــة الحاضــــرة وسلاســــتها ،مــــن هــــاتين الخاصــــيتين تتــــألف
القشـــرة الســـطحية للقـــرآن ،ولـــيس شـــأن هـــذا الغـــلاف إلا كشـــأن الأصـــداف تحـــوي القلـــ
النفيسة.
خصائص القرآن البيانية
مـــن خصـــائص القـــران البيانيـــة القصـــد فـــي اللفـــظ بحـــق المعنـــى ،إنهمـــا نهايتـــان كـــل مـــن
حـــاول الجمــــع بينهمــــا وقــــف موقــــف الــــز ْوج مــــن ُضــــرت ْين لا يســــتطيع أن يعــــ ِدل بينهمــــا،
فالـــذي يعتمـــد علـــى ادخـــار لفظـــه لا ينفـــك إلا أن يَحيـــف علـــى المعنـــى ،والـــذي يعمـــد إلـــى
الوفـــاء بحـــق المعنـــى ،لا يجـــد لـــه بُـــدا مـــن أن يَ ُمـــد فـــي نفســـه مـــدا ،وكـــذلك مـــن خصائصـــه
خطـــاب العامـــة وخطـــاب الخاصـــة ،وهاتـــان غايتـــان أُخريـــان ُمتباعـــدتان عـــن النـــاس ،فلـــو
أنــــك خاطبــــت الأذكيــــاء بالواضــــح المكشــــوف الــــذي تُخاطــــب بــــه الأغبيــــاء لنزلــــت إلــــى
7