Page 72 - merit 47
P. 72
العـدد 47 70
نوفمبر ٢٠٢2
شيرين فتحي
استبدال
قبل أن تسقطني في محيط إبصار أي من الناس، استيقظ ُت على وجودي في هذا المكان الغريب لأجد
فأصبح بعدها عرضة للشفقة أو التشفي ،على حسب نفسي حبيسة جدرانه الأربعة ،وحيد ًة كما لم أكن
من قبل ،لطالما كان منزلي مزدح ًما؛ يمنى ويسرا
من سقطت تحت بصره .ومن هنا تظهر فوائد وكلبتي الضخمة التي لم تفارقني إلا مؤخ ًرا ،والجراء
المواجهة والتصادم الذي أتقن ُت افتعاله أحيا ًنا مع
البعض ،لأتخلص من وجودهم بأقصى سرعة ،فلا الصغيرة أي ًضا.
لا أذكر أنني مررت بنوبة وهن قوية كهذه من
أقع تحت رحمة آرائهم أو نظراتهم. قبل .ذراعاي ثقيلان لا أقوى على تحريكهما .الأيمن
لا أعرف هل قادني الاستبدال إلى تعلم الانفصال. مشدود كأنه مقي ٌد بسلسلة حديدية تمنعه عن الحركة.
تلك الحيلة الجديدة التي أتقنتها مؤخ ًرا .فكثي ًرا ما والأيسر مفرود ومتيبس إلى جواري بفعل نوبة
انفصلت عن نفسي لأنقسم إلى جزئين منفصلين ألم تكاد تعتصره .بعد مرور عدة دقائق بدأت أميز
تما ًما .وأظل أتأرجح كثي ًرا فيما بينهما ،حتى ينتهي استفاقتي من نوبة فقدا ٍن للوعي .إذ بدأت بعض
بي الأمر في أحايين كثيرة لفقد الجزئين م ًعا .ربما الأحداث تتسرب إلى عقلي وتوارب أبواب الذاكرة شيئًا
لهذا بدأت أنقم على هذا الانفصال .بدأت أتمنى لو أمر فشيئًا ،مانح ًة لي بعض الضوء الكافي للتذكر.
بمح ٍن وأحدا ٍث فجائية ،لو تنخرني عواطف محمومة وبينما أتذكر ،يحبطني وهني الشديد ،فدائ ًما ما كنت
تهب فجأة دون مقدمات فلا تترك لي الفرصة للهروب قوية ،بل أقوى من اللازم ،أقوى من كل المواقف
والاستبدال .بدأت أفتش عن الألم باحثة عن أي شيء السيئة التي مرت بي .كن ُت أتقوى بحيل الاستبدال،
يعيد جسدي إلى الحقيقة ،إلى اللحظة الصادقة التي تلك الحيل التي أستبدل فيها نفسي أو أ ًّيا من
لا أصل إليها في الغالب .فإذا كان جسدي الحقيقي الآخرين ،أو أستبدل وأغير بعض الكلمات والأحداث
لكي تمر المشاهد السيئة من أمامي وتبرق سري ًعا،
موجو ًدا غابت روحي وإذا حضرت روحي غاب يتحول برقها المخيف إلى مجرد لهب ضعيف لشمعة
هو ،أو استبدل نفسه بهذا المزيف الذي لا يشعر
ولا يحس .كنت أشعر أن الزمن لحظة يمر ،تتحول صغيرة ،أقضي عليه بمجرد نفخة.
الدقائق واللحظات الفائتة فجأة إلى مرآة ،مرآة متباينة كن ُت ألجأ لحيل الاستبدال إذا ما عجزت عن المواجهة،
الزمن .أرى نفسي أم ُّر في داخلها بأعماري المتفاوتة. وأحيا ًنا أضطر لفعل العكس .ألجأ للمواجهة في وقت
تارة طفلة وتارة شابة وتارة كهلة عجوز .ناد ًرا ما
كان عمل المرآة دقي ًقا .ناد ًرا ما عكست لحظتي الحالية العجز عن الاستبدال .كان الاستبدال طريقتي المثلى
بدقة ،وكأنني لم أعشها أب ًدا .يبدو الأمر كما لو أني للهروب والإسراع بالتعافي من أي كرب .أستبدل
أعيش حياتي المزيفة هنا والحقيقية هناك أو الحقيقية يدي لو عاقبتها المدرسة ،أستبدل أذني لو سمعت
هنا والمزيفة هناك .وبين ال هنا وال هناك أظل ضائعة لف ًظا سيئًا من أحدهم ،أستبدل جسدي لو لامسه
ومشردة ومنقسمة إلى عدد لا نهائي من الأنا. غريب بالغصب في الشارع .كنت أرى الجبن والخوف
لا أذكر بالضبط متى ولا كيف أصبحت قوية .ربما والبكاء وحتى المرض أو الموت فعا ًل ضعيفة يجب
كنت في الرابعة تقريبًا حين اصطدمت بنفسي القوية التخلص منها ونفض الأيادي عنها بمنتهى السرعة