Page 73 - merit 47
P. 73
71 إبداع ومبدعون
قصــة
لجراحة أفقدته قدمه وجز ًءا من الساق .أجرى العملية تلك لأول مرة..
في إحدى مستشفيات العاصمة ،لم أتمكن يومها من وقتها كانت بثو ٌر صغيرة ذات رؤوس بيضاء تظهر
السفر ،كان هذا الموقف هو أول أمر لم ُتجد معه على ذراعي من وق ٍت لآخر ،من أثر التعرق والتراب
المواجهة ولا حتى الاستبدال ..ظل صرير تقطيع
العظام يطاردني طوال اليوم الذي قضيته كام ًل العالق في الجو ،خاصة في فصل الصيف .كانت
في الفراش وأنا أسد أذني بالوسادة وأخفي وجهي هواية أبي هي إغفالي قبل الضغط على تلك الرؤوس
وجسدي كام ًل باللحاف ،بينما أنتحب دونما انقطاع.
قبل أن أجد نفسي متورط ًة في المواجهة في يومي لإفراغ ما بها من قطرات بيضاء وثخينة .ورغم
التالي. كرهي لضغطاته المؤلمة تلك ،والتي لم أ ِع سببًا لها،
حين وصلت إلى محطة المترو القريبة من المشفى، فقد تعلم ُت أن أقلده دون فهم ،وأضغط بنفسي على
تمنيت لو كنت أنا من فقد ساقه كي لا أتمكن من رؤوس البثور لأفرغها مما فيها .بمرور السنوات
متابعة المشي ،تمنيت لو ظللت محبوسة هنا في تلك صادفت بثو ًرا بأحجام أكبر ،تؤلم بمجرد الضغط
المحطة المدفونة في باطن الأرض دون أن أجد سبي ًل عليها ولا تسمح بخروج ما فيها بسهولة .تلك البثور
اعتدت تركها ليو ٍم أو اثنين قبل أن أعاود الضغط
للخروج .كنت في حاجة ماسة لرفيق يضغط على يدي، عليها من جديد .لم أكن أرتاح حتى أتخلص من ذاك
يخبرني أنه موجود ،وأن ساق َّي سوف تتمكنان من
مساعدتي على الحركة .لكن أ ًّيا من هذا لم يحدث. السائل الأبيض المقزز الذي أدركت فيما بعد أنه
مشيت لحالي ،حتى وجدت نفسي في عمق المواجهة. يسمى بالصديد وعرفت من خبرتي مع أبي أننا إذا
تعلمت يومها حيلة جديدة ..تعلمت أن أنظر للأشياء لم نتخلص منه بصورة صحيحة فإنه يعود ويتكون
وألمسها وحتى أحملها ما بين يد َّي ،دون أن أراها. من جديد مسببًا الكثير من الألم وربما بعض المخاطر
حين نفقد أحد الأشياء فإن أعيننا لا تنزاح أب ًدا عن الطبية أي ًضا .لهذا اعتد ُت التأكد من تمام التخلص منه
النظر إلى الجزء المفقود .من يوم فقد أبي ساقه ،وأنا برؤية عدة قطرات من الدم الأحمر .لكن الأمر يختلف
لا أرفع عيني عن سيقان الناس ،أم ِّضي طوال الوقت
أدقق في السيقان والأقدام والأحذية .أتساءل أيها قلي ًل مع الجروح العميقة والأكثر إيلا ًما ،إذ كنت
أتهرب من مجرد رؤيتها .أقوم بإخفائها على الفور
حقيقي؟ وأيها اصطناعي؟ صارت لد َّي الخبرة الكافية تحت ضمادات طبية ،ولا أحاول نزع تلك الضمادات
للتمييز .كلما لمحت عض ًوا ناق ًصا أو اصطناعيًّا ولو إلا بعد أن يكون مظهرالجرح قد تحسن ولو قليلا،
مجرد سن أو ضرس في فم ،شعرت وكأنني اكتسبت كي أتمكن من الاقتراب منه ومداواته.
نقطة في مباراة غير عادلة ألعبها وحدي مع العالم. كان أبي مول ًعا بالوصفات الطبية ..ذا مهارة نادرة
بالضبط كالطفل الذي يفقد أحد أبويه ،يظل يبحث
في تصفية البثور والخراريج .الكثير من الأقارب
عمن تعرضوا لهذا الفقد الأليم وتيتموا مثله وكأن لا والجيران اعتادوا اللجوء إليه ليخلصهم من آلامها
شيء يعزي روحه إلا وجود عدد لا نهائي من الأيتام. ومخاطرها .لا أعرف من أين اكتسب تلك المهارة،
ورغم أن ذلك لن يمحو ألم يتمه ولا حتى سيخفف خاصة أنه كان مجرد موظف بسيط في مصلحة
أثره .كذلك فإن وجود عدد كبير من السيقان الناقصة الري .ومع ذلك ورغم كل خبراته السابقة في تصفية
الخراريج لم يتمكن من معالجة خراج صغير نما في
لن يعيد ساق أبي المبتورة ولن يصلح أب ًدا الشيء باطن قدمه .استنفذ معه كل طرق العلاج التي عرفها
المكسور في روحي.
لكنه أب ًدا لم يندمل ..ظل يتعاظم ويتعملق يو ًما بعد
بعدما التأم جرحه ،اشترينا له سا ًقا اصطناعية آخر ورغم كل محاولات التعصير المستمرة والتي
كي تساعده على المشي .قبل ارتداء تلك الساق كان كان ُيعقبها بوضع سوائل ومواد طبية ،وخلطا ٍت
عليه أن يضع طرف ساقه المتبقي في شراب طبي جديدة يبتكرها بنفسه بغرض التطهير والعلاج لم
مصنوع من السليكون .كنت أنا من يتولي مسؤلية
يندمل أب ًدا.
إلباسه هذا الشراب النزق .مضطر ًة لحمل الجزء بعد عدة أيام تصاعدت من قدمه رائحة كريهة لم
يتمكن هو نفسه من تحملها .لينتهي به الأمر خاض ًعا