Page 77 - merit 47
P. 77

‫‪75‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

  ‫لها بمتابعة الحياة كي يضمن أنها لن تقضي نحبها‬           ‫يجرها بعن ٍف‪ ،‬متظاه ًرا بمغازلتها خاصة لو تجاهلته‬
      ‫قبل تمام استمتاعه‪ ..‬ينتفض بعدما ينتهي منها‬          ‫أو تمنعت عنه‪ .‬اعتقدنا أنه مجرد مزاح أو أنه يعضها‬
                                                         ‫من باب المحبة خاصة أنها لم تكن تبدي انزعا ًجا‪ .‬ظننا‬
    ‫ويدفن رأسه وينام تار ًكا إياها لتغرق في هوة بلا‬      ‫أي ًضا أن هكذا أمور تحدث ما بين كل المخلوقات طوال‬
‫قاع‪ ..‬تعلمت هي في تلك الأوقات أن تقلدني‪ ،‬وتبدأ في‬
 ‫الانفصال عن جسدها كما لو أنها تؤجر امرأة أخرى‬                ‫الوقت‪ .‬خاص ًة أنها كانت ترجع بعد لقائه بشهية‬
‫تحل محلها حتى ينتهي‪ ،‬كي لا تواجه نفسها بكل هذا‬             ‫مفتوحة‪ ،‬تضع خطمها في إناء الطعام المخصص لها‬
                                                            ‫ولا تخرجه قبل أن تلتهم كل ما فيه‪ ،‬مهما ضاعفنا‬
                 ‫الامتهان الذي لا أول له من آخر‪..‬‬          ‫لها الكميات‪ ،‬تلتهم كل الموجود‪ ،‬بل وتلحس جوانب‬
      ‫عندما أعيد الزمن قلي ًل إلى الوراء أتساءل ل َم لم‬     ‫الإناء بلسانها الضخم‪ ،‬كعلام ٍة لعدم الشبع‪ .‬بعدها‬
  ‫أتخلص منه؟ ل َم لم أطرده ولا حتى قمت بإلقائه من‬           ‫تلقي برأسها على الأرض ولا تتحرك لعدة ساعات‬
   ‫فوق أحد الكباري مث ًل ليرتطم بمياه النهر قبل أن‬          ‫كما لو أنها جثة‪ .‬بعد فترة أصبحنا سعداء بالجراء‬
    ‫تبتلعه في جوفها إلى الأبد؟ أو على الأقل حملته في‬       ‫الصغيرة الذين أنجبتهم‪ .‬حتى لمحناها في مرة وهي‬
‫سيارتي لأتركه في أي بلدة بعيدة وأعود من غيره؟ ل َم‬          ‫مرمية‪ .‬على أحد جانبيها وسط الصغار‪ ،‬تاركة لهم‬
      ‫استسلمنا له أنا وهي كل تلك السنوات الفائتة؟‬        ‫أثداءها الستة يتناوبون عليها في سعادة‪ .‬كانوا فرحين‬
  ‫لا أتذكر متى اتفقنا على مساعدتها ولا متى خططنا‬         ‫يدورون حولها ويتقافزون فوقها‪ ،‬يدهسون بأقدامهم‬
   ‫لكل ذلك‪ .‬لكنها كانت في حاجة حقيقية للمساعدة‪.‬‬           ‫الصغيرة أي مكان يطالونه من جسدها‪ ،‬ولم تكن هي‬
 ‫كانت ستموت بد ًل منه‪ ،‬ولم تكن تستحق‪ .‬بالإضافة‬            ‫تتحرك أو تبدي ألمًا‪ ،‬كما لو أنها قد خرجت تما ًما من‬
  ‫إلى أن الجراء كانت في حاجتها هي أكثر منه‪ .‬يومها‬         ‫المشهد‪ .‬لم يكن المشهد حنا ًنا أموميًّا كما اعتقدنا لأول‬
    ‫ثبتناه وكتفناه أنا ويسرا ويمنى وتركناها لتنفس‬         ‫وهلة بل عجز إنساني كامل بكل ما تحمله الكلمة من‬
  ‫عن غضبها‪ .‬يومها دوى صوت الصرير المألوف في‬                ‫معنى‪ ..‬لم تتجل ملامح هذا العجز إلا حين جاء هو‬
 ‫أذني‪ ،‬ولكن بطريقة أقوى من كل المرات السابقة‪ .‬لم‬            ‫وهش الصغار بعدة نبحات قوية‪ ،‬تركوا على إثرها‬
   ‫نكن ليلتها على علم مسبق بخطوات انتقامها‪ .‬حتى‬
 ‫فوجئنا بها وهي تقضم هذا الجزء البارز منه‪ ،‬والذي‬              ‫الأثداء وركضوا يتخ ُّفون ما بين الأركان وغرف‬
   ‫تسبب في إيلامها وإيذائها لعشرات المرات‪ .‬انقضت‬            ‫البيت‪ .‬انصاعت مرتها خلفه دونما كلمة‪ .‬ثم عادت‬
     ‫لحظتها عليه كالمجنونة‪ ،‬قضمته بأنيابها الحادة‪،‬‬        ‫وارتمت أمامنا بعجز أقوى من السابق‪ .‬التفت الجراء‬
    ‫تحلقنا حولها نهدئها ونحاول إقصائها‪ ،‬بينما هو‬
     ‫ينزف ويتلوى كذبيح‪ ..‬خرجت من جرحه بعض‬                     ‫حولها من جديد لكنها كانت تبكي وتدمع دمو ًعا‬
    ‫القطرات البيضاء أو ًل‪ ،‬قبل أن ُيغرق دمه الصالة‬                   ‫حقيقية‪ ،‬بل ُخيِّل إلينا أننا رأيناها تنزف‪.‬‬
     ‫وتسرح بعض خطوط الدم المنسابة لتقتحم بقية‬
  ‫الغرف‪ ..‬ليخمد بعدها تما ًما‪ .‬لا أذكر ما الذي حدث‬           ‫دخل ُت إثر مشاهدتها على هذا النحو في نوبة بكاء‬
‫بعدها لكن يسرا حاولت قتل يمنى أو العكس‪ ،‬إحداهن‬                ‫حادة‪ .‬إذ كنت سريعة الاتحاد والتأثر بالأحداث‬
    ‫حاولت ذبح الأخرى أكثر من مرة‪ ..‬حتى نجحت‬               ‫والأشياء‪ .‬لدرجة أنني كنت أشعر بقذارتي أنا لمجرد‬
‫يمنى وقطعت أحد الشرايين‪ ،‬سال الدم غزي ًرا‪ .‬سمعنا‬         ‫رؤية قذارتها وعجزها‪ .‬كنت أعجز أي ًضا عن الاقتراب‬
    ‫بعدها صوت إحدى عربات الإسعاف التي جاءت‬                 ‫منها ومساعدتها على تنظيف نفسها خاصة أنه كان‬
‫غالبًا في وقتها‪ .‬أنقذت المصابة‪ ،‬وأوقفت النزيف‪ .‬غ ُّطوا‬       ‫يتعمد التمسح فيها للتخلص من أوساخه بعد كل‬
‫جرحها بضمادات ورباطات طبية‪ ،‬أعجزتها تقريبًا عن‬               ‫لقاء‪ ..‬ربما ليجعلنا ننفر منها‪ ،‬أو ليضمن أن أح ًدا‬
   ‫الحركة‪ .‬عاقبوا يمنى بتقييدها بسلسلة حديدية إلى‬             ‫سواه لن يفكر في الاقتراب منها‪ .‬بدأت أشعر به‬
 ‫عارضة السرير كي لا تهرب‪ ..‬والكلبة ما زالت تأتي‬            ‫وهو يعاقبها بالمعاشرة كأنها ليست عملية تشارك‪،‬‬
  ‫للزيارة من وقت إلى آخر‪ ،‬تهز ذيلها فرحة وامتنا ًنا‬         ‫بل عملية إذلال وإخضاع‪ ..‬من شدة تأثري شرعت‬
                                                             ‫أحلم بهما في مناماتي إذ يتحولان إلى بشر مثلنا‪.‬‬
                     ‫كلما وقعت عينها على أي منا‪.‬‬           ‫ينقض عليها ويتمدد فوقها كات ًما صدرها بثقله غير‬
                                                            ‫سامح لها بالتنفس إلا بالقدر الضئيل الذي يسمح‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82