Page 82 - merit 47
P. 82

‫العـدد ‪47‬‬   ‫‪80‬‬

                                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫ابيه بظاك‬

‫(المغرب)‬

‫المقحطة‬

‫سرت أقتفيها لأكتشف ما تخبئه عني لأروي بذور‬           ‫أخذت خيوط بيضاء تلحف زرقة السماء الباردة‪.‬‬
                                       ‫فضولي‪.‬‬        ‫خيوط واهنة كخيوط العنكبوت‪ ،‬تتحرك ببطء لأن‬

  ‫في طريقها‪ ،‬تمر على بنات جنسها‪ ،‬وكلما انضمت‬                         ‫التردد لا يزال جاث ًما على مخها‪.‬‬
 ‫إليها واحدة تعانقها بالأحضان‪ ،‬ثم تحادثها قلي ًل‪،‬‬    ‫دفعها الريح لعقد العزم‪ ،‬فحددت وجهتها وأخذت‬
                                                      ‫تهرول قاصدة إياها‪ .‬سألتها عن سبب هجرتها‪،‬‬
      ‫فتذوب الواحدة في الجماعة‪ .‬أكسبها انضمام‬      ‫فلم تجبني‪ ،‬فجابت مخيلتي احتمالات كثيرة‪ :‬تهاجر‬
     ‫أخواتها قوة فهزمت الشمس‪ .‬أصبحت خيوط‬            ‫لتجد ما يحمل أمشا ًجا غير التي تحمل بين ثناياها‬
‫الشمس عاجزة عن تمزيق ثوبها المنسوج من رداء‬
‫الالتحام كأنه عباءة عروس حيكت من وبر الجمال‪.‬‬             ‫لتتزاوج وإياه‪ ،‬فتنجب غيثًا ناف ًعا يهز الأرض‬
  ‫آنئ ٍذ‪ ،‬طار الغبار رسول المقحطة إلى عنان السماء‬  ‫اخضرا ًرا‪ ،‬فيكسوها حياة؛ أو تهاجر لتجتمع ببنات‬
   ‫فاستوقف الغمام‪ ،‬وأخذ يتضرع إليه ليبسط يد‬
    ‫رحمته لتمسح خدود مرسلته‪ ،‬ويرسل صبيبه‬                ‫جنسها لتنسج وإياها عباءة ثقيلة لتدفئ جسم‬
 ‫لغسل الحزن الذي التصق بجلدها‪ .‬استمع الغمام‬           ‫السماء العاري‪ ..‬ظل ذهني يتقلب بين احتمالات‬
 ‫لمناجاة الرسول بإمعان‪ ،‬ثم رد‪ :‬سمعت كثي ًرا عن‬        ‫عدة‪ ،‬وما استقر يقيني على أي واحد‪ .‬تخليت عن‬
     ‫هذه الرقعة فآلمني حالها‪ ،‬ولذلك عبأت إخوتي‬       ‫ذلك‪ ،‬وسرت أراقبها‪ ،‬فكلما لامست السماء تنحل‬
 ‫وشددت الرحال مقتفيًا أثر الخبر الذي رج كياني‪.‬‬         ‫أساريرها فر ًحا‪ ،‬وتفيض ابتسامة عريضة على‬
    ‫أخذ الغبار يعانق السحاب وهو يقول‪ :‬أرجوك‬          ‫وجهها حتى تظهر نواجدها ككل من لبس جدي ًدا‪.‬‬
 ‫سيدي الغمام‪ ،‬رافع الغم والهم‪ ،‬وباعث الحياة في‬       ‫عدت أفكر في علة استمرار هجرتها رغم إغراءات‬
 ‫الأموات والقوة في الضعفاء‪ ..‬أن تنظر إلى سيدتي‬        ‫الأمكنة التي تمر عليها‪ .‬طال تحاور الأفكار دون‬
                                                    ‫أن أصل إلى جواب‪ ،‬وكل ما وصلت إليه هو أنها ما‬
                                  ‫بعين الرحمة‪.‬‬     ‫اجتمعت إلا لأمر عظيم‪ ،‬وما هاجرت إلا لفعل جليل‪.‬‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87