Page 83 - merit 47
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫الرقعة حتى رأت المآل الذي يغيظ الحال ويخيب‬          ‫أ َّثر توسل المرسول في الغمام‪ ،‬فتبدل لونه وتغير‬
  ‫الآمال‪ ،‬فبادرت بالسؤال‪ :‬أين ذهب ماؤك يا سد؟‬         ‫حاله؛ فطرد عن تلك الرقعة الحر الذي أكل غلالها‬

    ‫ولماذا نقضت العهد وتركت أبناء المقحطة تموت‬             ‫وذهب بزينتها وبهجتها‪ ،‬وصيَّر اخضرارها‬
 ‫بعيد الميلاد؟ ألم تعلم أن العقم خير من الوأد‪ ،‬وأن‬  ‫شحو ًبا‪ ،‬ونباتها غثا ًء‪ ،‬وقوتها انكسا ًرا‪ ،‬وابتسامتها‬

               ‫الحزن بعد الفرح حزنان‪ ،‬بل كمد؟!‬          ‫تجه ًما‪ ..‬وانسابت الدموع من عينيه إشفا ًقا على‬
‫التزم السد الصمت‪ ،‬فاستفسر الغمام المعنية بالأمر‪،‬‬         ‫حال الرقعة‪ ،‬وحسرة على الأيادي التي تقطف‬
‫فحكت له حكاية العبد والسيد‪ ،‬لكنه ما فهم القصد‪،‬‬        ‫غلالها وتمتنع عن سقيها‪ ،‬بل أكثر من ذلك غيرت‬
 ‫لأنه ما ذاق يو ًما طعم التنكيد‪ ،‬وما تذوق غير طعم‬    ‫مجرى النهر الذي كان يرويها مدعي ًة ألا خير فيها‪.‬‬
                                                    ‫أزبد الغمام وأرغد حتى ارتوت المقحطة‪ ،‬ثم أفرغ ما‬
  ‫الحرية‪ .‬يسيح في الآفاق حيث يشاء فلا أحد يقف‬       ‫فضل في السد‪ ،‬وأوصاه بالمقحطة سقاء‪ ،‬ثم ساح في‬
   ‫له ص ًّدا‪ .‬بسطت الأرض مرتفعات الحكاية‪ ،‬ففهم‬         ‫الآفاق مرتاح البال‪ ،‬يرقص راس ًما دوائر الفرح‪.‬‬
  ‫السحاب أن يدي الجور مستمرة في تنغيص حياة‬           ‫لكن أيدي الأعادي امتدت إلى السد‪ ،‬وشربت ماءه‪،‬‬
                                                         ‫وتركت أحجاره وتستغيث الغمام الذي بعد ما‬
    ‫المقحطة‪ ،‬قال لها‪ :‬طفت كل الأراضي وما رأيت‬
 ‫لحالك مثي ًل‪ .‬أكاد أجزم ولن أجزم فقط لأني أكره‬             ‫اطمأن على حياة الأرض قطع شهرين عهد‪.‬‬
‫التشاؤم‪ ،‬كما أنني أحب أن أترك باب الأمل موار ًبا؛‬     ‫طال غوث الأحجار‪ ،‬فسمعه الجن والأشجار‪ ..‬عدا‬
  ‫أن حالك لن يتغير ولو بقيت أمطرك طوال الوقت‪،‬‬
                                                                         ‫المعادي‪ ،‬فلا حياة لمن تنادي‪.‬‬
   ‫لأن تلك الأيادي متحاملة عليك‪ .‬فالسلب‪ ،‬القحط‪،‬‬      ‫بعد انتهاء الأمد‪ ،‬اجتمعت السحب وقصدت الرقعة‬
 ‫والجفاء‪ ،‬ارتسم على جبينك عنوا ًنا‪ ،‬وماؤك سيظل‬        ‫ظانة أنها مرج أخضر على ضفافه يحلو الاحتفال‪،‬‬

                           ‫لغيرك ينساب وديا ًنا‪.‬‬       ‫وإليه من السد يغرد شلال ممتد‪ .‬وما إن وصلت‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88