Page 99 - merit 47
P. 99

‫نون النسوة ‪9 7‬‬                                             ‫بين غواية الأنثى ومظلوميتها‪ ،‬بين حق الأنثى‬
                                                         ‫المشروع في الحياة والحب وقهرها وقمعها‪ ،‬كذلك‬
      ‫دون الوقوف على الأبعاد الإنسانية والنفسية‬        ‫تأتي شخصية الأم «أم الصغيرة كاميليا» تلك المرأة‬
     ‫والاجتماعية والذاتية للإنسان المأزوم‪ .‬كما أنه‬      ‫التي تمثل الشر الأنثوي‪ ،‬الباعث على الحقد والقهر‬
‫إنسان بائس استسلم للفشل والانكسار‪ ،‬وتخلى عن‬             ‫والكراهية‪ ،‬ويمثل الأب النمط الذكوري الذي ينظر‬
  ‫طموحه وآماله‪ .‬هكذا تسير أحداث الرواية بتجرد‬            ‫للأمور في بعض جوانبها نظرة أخلاقية محضة‪،‬‬
 ‫تام وحيادية دون الوقوع في فخاخ الإدانة أو الميل‬
   ‫إلى التبرئة‪ .‬تسرد الأحداث سر ًدا متجر ًدا مواز ًيا‬
‫لصور الحياة وأنماط الأحياء‪ ،‬ولا تميل أو تتعاطف‬
   ‫مع صورة دون أخرى‪ ،‬كذلك لا تدين نم ًطا دون‬
    ‫آخر‪ ،‬بل تتمثل فقط رصد هذه الأنماط والصور‬
   ‫المتباينة‪ .‬فوظيفة الراوي والرواية في وجهة نظر‬
‫الكاتبة هي طرح التساؤلات القلقة الكبرى فقط دون‬
  ‫التورط في الانحياز إلى وضع إجابات بعينها تمثل‬
  ‫اتجا ًها واح ًدا للرؤية‪ ،‬بل ترك ذلك للمتلقي والذي‬
‫غالبًا سيصل إلى إجابة قد تتبناها الكاتبة تلمي ًحا من‬
‫خلال الرصد والسرد دون التصريح بها أو التأكيد‬
‫عليها‪ ،‬لكن قد يرتضي السرد بعض التلميحات التي‬
 ‫تؤدي إلى ذلك‪ ،‬لكنها في الآن ذاته كانت تؤكد أي ًضا‬
    ‫أن الحقيقة لا تمثلها صورة واحدة‪ ،‬بل عشرات‬
  ‫الصور والرؤى المتعددة‪ .‬فعلينا أن نناقش حقيقة‬
    ‫الإنسان من خلال هذا المنظور‪ ،‬وليس انعكاسه‬
  ‫في المرآة‪ .‬وهذا ما يجذب المتلقي إلى عمق الرواية‪،‬‬
‫ويجعله يقف أمام سؤال البحث اللانهائي‪ ،‬ويفضي‬

                 ‫إلى متعة القراءة وفضاء التأويل‪.‬‬
 ‫لقد تقمصت الرواية مشاهد عدة أدخلت القارئ في‬

   ‫دائرة يدور فيها حول نفسه‪ ،‬محاو ًل فهم طبيعة‬
  ‫الذات الساردة وحقيقتها‪ ،‬ومن ثم يقف أمام هذه‬
   ‫الافتراضات متأم ًل حركة الحكاية الروائية فيها‪.‬‬
  ‫إنها كتابة افتراضية احتمالية‪ ،‬تعكس نقلة حقيقية‬
‫في تطور الرواية الحداثية الجديدة شك ًل ومضمو ًنا‪،‬‬

     ‫وهي كذلك تسعى إلى تقديم الإنسان المعاصر‪،‬‬
   ‫ذلك الإنسان المشوش‪ ،‬ورص ًدا لتلك المتناقضات‬
   ‫والتشوهات التي أصابته‪ ،‬والوقوف أمام الطابع‬
  ‫المادي له وحياته المأزومة‪ ،‬لقد جاء هذا كله داخل‬
    ‫الرواية بدرجة عالية من الفنية‪ ،‬عن طريق نص‬

                 ‫روائي مركب غير مباشر‪ .‬تقول‪:‬‬
     ‫«الضوء كالحلم‪ .‬تمد يدها لتمسك ذرات الغبار‬
 ‫السابحة في شعاع الشمس الداخل من بين ضلفتي‬

       ‫الشيش المواربتين‪ ،‬والساقط على ظهر عمتها‬
  ‫ليغمرها ببهائه من أعلى شعرها إلى قدميها‪ .‬وهي‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104