Page 103 - merit 47
P. 103

‫نون النسوة ‪1 0 1‬‬                                        ‫العمة «كاميليا» ووأد تلك الألسنة التي لا تكف عن‬
                                                       ‫الحديث‪ .‬أي ًضا يقر بأن صمته وعجزه عن انتشالها‬
‫ما ٍض فات وانتهى الأمر‪ ،‬ولم أرد حتى التخلص من‬
                                 ‫آثاره» ص‪.128‬‬              ‫مما حدث لها كان سببًا فيما آلت إليه‪ ..‬مشاعر‬
                                                        ‫مرتبكة تنتاب الأخ الشقيق‪ ،‬شعور بأنه كان مح ًقا‬
    ‫فالرواية هنا كذلك تعكس جز ًءا فلسفيًّا مه ًّما في‬
     ‫الرواية الجديدة وهو «فلسفة الخيارات»‪ .‬حيث‬             ‫في لحظة ما‪ ،‬وشعور بأنه كان جانيًا‪ .‬إننا لسنا‬
   ‫تلك المتاهة التي َوضعتنا الكاتبة داخلها مسيطرة‬           ‫طر ًفا (سالبًا) في تلقي آلام الحياة ومصاعبها‪،‬‬
  ‫عليها إلى حد بعيد‪ ،‬تلك الخيارات بين الاستسلام‬          ‫ولكننا طرف فاعل وحقيقي يصنع من تلك الآلام‬
 ‫إلى التلاشي التام‪ ،‬ومحاولة الفكاك‪ ،‬التي يمكن أن‬
  ‫نسلكها ونحددها وعن طريقها نتحدد عبر دروب‬                           ‫تجارب تبنيه داخليًّا ليصبح أفضل‪.‬‬
  ‫أخرى نسيرها‪ .‬نظرة فاحصة للتجارب الإنسانية‬               ‫إن هذه القناعة تتأكد لدينا عبر المقاطع السردية‬
   ‫التي نعيشها تتم من خلال معالجة عميقة للغاية‬
  ‫أوصلت الذات الساردة لنهاية ظلت مستمرة حتى‬                                ‫المتعددة داخل الرواية‪ .‬تقول‪:‬‬
‫بعد انتهاء آخر كلمات الرواية‪ .‬هي لا تعرف تحدي ًدا‬      ‫«اليوم عرف جمال أنني أسافر إلى القاهرة من وراء‬
  ‫من الوحش‪ ،‬لكنها تؤكد أنه لم يكن يو ًما «جمال»‪،‬‬
  ‫بل كانت هي‪ ،‬تلك التي وضعته فيما كان سببًا له‬            ‫ظهره‪ ،‬بدا لأول مرة غاضبًا ج ًّدا‪ ،‬نظرة التبلد في‬
  ‫في الشعور بالحزن والغضب الممزوج بالانكسار‪،‬‬            ‫عينيه تحولت وكأنما اكتشف كل شيء فجأة‪ ،‬كان‬
    ‫كذلك جعلها تشعر بالذنب تجاهه للمرة الأولى‪.‬‬         ‫غضبه ممزو ًجا بالانكسار‪ ،‬وشعرت بالذنب تجاهه‬

                                                          ‫لأول مرة‪ .‬لم يكن ذلك الوحش الذي حرمني من‬
                                                       ‫حياتي كما كنت أتخيل‪ ،‬وفكرت أني ربما أكون ذاك‬

                                                                                              ‫الوحش‪.‬‬
                                                             ‫لم يسألني عما كنت أفعل‪ ،‬وكأنه ك َّون تخيله‬

                                                                ‫الخاص‪ ،‬رأيت في عينيه كل الأقاويل التي‬
                                                                      ‫كانت تنتشر من حولي فيما مضى‪،‬‬
                                                                        ‫وعرفت أن كل الناس نسيتها إلا‬
                                                                             ‫هو‪ ،‬رغم أنه لم يذكرها قط‪.‬‬
                                                                       ‫استدعى ناصر‪ ،‬وعقدا لي اجتما ًعا‬
                                                                                        ‫ثلاثيًّا في البيت‪،‬‬
                                                                                  ‫يستجوبانني فيه عما‬
                                                                                    ‫كنت أفعله‪ ،‬كم مرة‬
                                                                                  ‫سافرت خلسة‪ ،‬ولماذا‬
                                                                                      ‫أمتنع عن الذهاب‬
                                                                                    ‫إلى العمل؟ لم أتمكن‬
                                                                                      ‫من الرد‪ ،‬ولم أعبأ‬
                                                                                       ‫بتأكيد أفكارهما‬
                                                                                      ‫المسبقة‪ ،‬استمعت‬
                                                                                   ‫إلى كلامهما بصمت‪،‬‬
                                                                                         ‫وشعرت بعدم‬
                                                                                       ‫الرغبة في الدفاع‬
                                                                                    ‫عن نفسي‪ .‬أو ربما‬
                                                                                     ‫أدركت أن لا شيء‬
                                                                                       ‫أقوله سيصدق‪.‬‬
                                                                                   ‫فكرت أنني عالقة في‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108