Page 100 - merit 47
P. 100
العـدد 47 98
نوفمبر ٢٠٢2
خطاب لا يتوقف عند المستويات الدنيا لأفق انتظار تمشط شعرها الأسود الطويل أمام المرآة الكبيرة
المتلقي ،بل تجاوزه إلى المساءلة والاتكاء على ذات الإطار البيضاوي المذهب .تنظر إلى انعكاسها
نظريات علم الجمال والتلقي»(.)6 في المرآة وتضحك ،تراها جميلة ،وجهها الدائري
يضيء بأشعة الشمس ،تقف بقميص نوم خفيف
وبنا ًء عليه ،فإن رواية «أطياف كاميليا» للروائية
المصرية «نورا ناجي» قد تورطت في إنتاج أسئلة شفاف ،تجدل شعرها في ضفيرة وتبتسم.
مضادة للأسئلة التقليدية التي تحدد مضمار عملها سحرتها نظرة عينيها ،صارت كالمنومة ،تقف على
في نصوص سردية أخرى ،تؤخذ مكتملة ناجزة، ُبعد طفيف منها ،غير قادرة على الاقتراب ،تتابعها
وهي ترتدي فستا ًنا أبيض لم تره عليها من قبل،
مسل ًما سل ًفا بتجنيسها ،والمفاهيم والأدوات التي اعتادت رؤيتها بالعباءات السوداء حتى بدا الأبيض
لا تخرج في أفضل الأحوال عن ثنائية الشكل
والمضمون للرواية التقليدية. شاه ًقا عليها ،ثم رأتها تمسك بالمقص الكبير،
وببساطة ،تجز الضفيرة من أعلى رأسها.
لقد اختارت الروائية «نورا ناجي» لهذا النص
سيا ًقا سوسيو -تاريخي معين ،حيث وقعت شهقت وتراجعت للوراء ،فرأتها تقترب منها،
وضعت الضفيرة في يدها ،وقبلتها على وجنتها.
أحداث روايتها في التسعينيات من القرن العشرين وضعت المقص على المائدة ،ثم ذابت في المرآة وسط
المنصرم ،وبداية الألفية الجديدة للقرن الحادي
والعشرين .وحاولت الوقوف أمام مشكلات الضوء» ص.9
الإنسان وأزماته في هذه الحقبة الزمنية تحدي ًدا، في المقطع السابق تقف الرواية أمام حكايات
سردية متعددة ،متمايزة ومتقاطعة في آ ٍن ،فتقدم
كذلك ملامح تشكيل شخصية أبناء الألفية الجديدة. لنا الكاتبة مسار حياة الذات الساردة عبر عدة
وإنه وف ًقا للدلالات والآفاق التي تفضي إليه ،تنطلق مشاهد حدثية ،تصف ما تمر به من تجارب شديدة
من مبدأ التشخيص للواقع الممكن ،والذوات المأزومة الصدق والحياتية ما بين الألم والضعف ،ويقين
الغياب والتلاشي .فالعمة «كاميليا» حاضرة دائ ًما
المتشظية ضمن خصوصية هذا الواقع الزمني في مرآة ابنة الأخ الصغيرة «كاميليا» –أي ًضا،-
المنتقى زمنًا لمجريات الأحداث داخل الرواية. تشاركها كافة تفاصيل حياتها شبه اليومية ،حيث
وهذا التشخيص للواقع الاجتماعي والتاريخي تتوهم البطلة الصغيرة حضور عمتها الحقيقي
خاصة ،تبنته الرواية في شكل حكايات تحكيها والدائم بالرغم من اختفائها ،فتراها وهي تمشط
الذات الساردة ،التي توجه الأحداث وربما تعلق على شعرها الأسود الطويل أمام المرآة الكبيرة .تنظر
المواقف ،إلا أن الملفت في البناء السردي لهذه الرواية إلى انعكاسها في المرآة وتضحك ،كذلك تراها جميلة
هو قيامها على عامل التغيير والتطور بفعل تحريك مبهجة مقبلة على الحياة بوجهها الدائري المضيء،
عجلة الحياة وتغيير الزمن ،فالمرآة الكبيرة ذات وبملابسها الأنثوية الشفافة ،وفستانها الأبيض
الإطار البيضاوي المذهب هي ذلك الواقع الرمزي الذي لم تره عليها من قبل .لكن المفارقة الصادمة
الذي تسير به الحياة سلبًا ،وتتحرك من خلاله للبطلة الصغيرة هي قيام العمة «كاميليا» وببساطة
الأحداث داخل الرواية ،هي المحرك الرئيس للحكاية بجز ضفيرتها من أعلى رأسها؛ مما جعلها تشهق
وتتراجع للوراء خو ًفا وربما حذ ًرا ،وهكذا مارست
داخلها بكل تعقيداتها وتشابكاتها. العمة حضورها في مخيلة البطلة الصغيرة حتى
وعلى الرغم من أن الرواية تبدو من خلال
الاسترسال السردي والوقفات الوصفية لبعض ذابت في المرآة.
مقاطعها ،أن الحدث فيها يسير ببطء ،إلا أن طبيعة لقد حاولت الكتابة تجاوز نمطية السرد الخطي،
هذه الأحداث قد جعلت منها بنية متحركة ،تقول: بالقفز على المكونات السردية المثالية للنص السردي
«ما ذنبي في أن أظل عالقة في هذا الزمن الذي لا التقليدي ،من خلال اشتغالها «على آليات جديدة
أستطيع الاندماج فيه؛ هذا الزمن الذي ُيفككني
شيئًا فشيئًا ،أشعر بأنني أتحلل ببطء وأنا على لبناء هرم مخالف للبنى السابقة ،وهذا بإنتاج
قيد الحياة ،أشعر بأطرافي تذوب ،بشرتي تتفتت،