Page 102 - merit 47
P. 102

‫العـدد ‪47‬‬   ‫‪100‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

 ‫الرواية الجديدة تؤكد على براعة كتابها في الدخول‬     ‫كبير‪ ،‬نفس الهواء المترب ونفس الصخب‪ ،‬لكنه أكبر‬
  ‫في أعماق التجربة الإنسانية‪ ،‬حيث نجد هنا داخل‬        ‫وأضخم‪ ،‬ربما بإضافة بقع خضراء منسقة ومبان‬

      ‫الرواية الذات الساردة قد تحاول في لحظة ما‬         ‫حديثة‪ ،‬وفتية وفتيات يقفون م ًعا بملابس ملونة‬
‫الهروب من تلك الآلام لأن مواجهتها صعبة بالفعل‪،‬‬          ‫زاعقة‪ .‬شعرت بلذة تدخين سيجارة داخل حرم‬
                                                       ‫دراسي‪ ،‬لكني لم أحب البقاء كثي ًرا‪ ،‬وقضيت بقية‬
   ‫تتشكك حينًا في بعض مبادئها الحياتية‪ ،‬وتسخر‬            ‫الأسبوع غير قادر على النهوض من السرير أو‬
      ‫حينًا آخر مما تؤمن به‪ ،‬لكن في النهاية تصل‬
                                                                               ‫مغادرة البيت» ص‪.58‬‬
 ‫لحتمية المواجهة والصراع الذي يفتح أبوا ًبا أخرى‬           ‫في المقطع السابق وعبر رحلة متاهية في عالم‬
 ‫للحياة نكون فيها نحن بعدما لامس الألم جز ًءا من‬        ‫الغياب داخل الجامعة‪ ،‬تسعى الكاتبة إلى العودة‪،‬‬
 ‫روحنا فن َّقاها‪ .‬وهذا ما يتضح بشدة في هذا المقطع‬      ‫في محاولة تبدو بائسة للعودة من الأبد الشاحب‪،‬‬
                                                         ‫ومن سفر ضاق بالغائب‪ ،‬يجيء ليزيل الحجب‬
  ‫السردي‪ ،‬حيث نكتشف من خلاله أشياء بقدر ما‬               ‫ويفك السلاسل وينزع القيود عن كل ما يسعى‬
     ‫تفاجأ الذات الساردة‪ ،‬بقدر ما تفاجأنا‪ .‬تقول‪:‬‬           ‫للحضور‪ ،‬لكنها كانت محاولة فاشلة وبائسة‬
                                                          ‫للدرجة التي تنجلي فيها الحقيقة وسط صخب‬
 ‫«إلى اليوم لم أكن أعرف تفاصيل ما حدث معها‪ ،‬لم‬        ‫الحياة ومعاركها (شعرت بالتوهان وعدم الانتماء‬
  ‫تح ِك لي ولا لأي شخص في الكون‪ ،‬كانت تنظر لنا‬            ‫منذ اللحظة الأولى‪ /‬لم أتمكن من الوصول إلى‬
   ‫بعينيها الميتتين دون رد‪ ،‬تتطلع إلينا وكأننا نحن‬   ‫كليتي إلا بمشقة‪ /‬لم يرغب أحد في مساعدتي‪ /‬ولم‬
                                                      ‫أتمكن من معرفة أين عليَّ الذهاب إلا بعد ساعات‪/‬‬
     ‫من ارتكبنا مصيبة‪ .‬والحقيقة أن نظرتها كانت‬       ‫جلست منزو ًيا على درجة سلم باردة‪ .‬تبدو الجامعة‬
‫تخيفني ج ًدا‪ ،‬تخيفنا جمي ًعا حتى أبي‪ .‬بمرور الأيام‬        ‫كفناء مدرسة كبير‪ ،‬نفس الهواء المترب ونفس‬
                                                      ‫الصخب‪ /‬لكني لم أحب البقاء كثي ًرا‪ /‬قضيت بقية‬
    ‫توقفنا عن الحديث في الموضوع وكأن هذا كا ٍف‬           ‫الأسبوع غير قادر على النهوض من السرير أو‬
  ‫لإسقاطه‪ ،‬وعندما تزوجت شعرت بالسعادة‪ ،‬على‬             ‫مغادرة البيت)‪ ،‬وعلى قدر تلك المحاولة وعلى قدر‬
  ‫الأقل ضمنت لها استمرار حياتها مع رجل طيب‪.‬‬             ‫ما نستشفها منذ البداية من هذا المقطع‪ ،‬على قدر‬
 ‫عندما قرأت هذه الأوراق اليوم‪ ،‬استعدت كل شيء‬           ‫ما تتوه الحقيقة من الذات الساردة وسط الطريق‬
 ‫من جديد في عقلي‪ ،‬لا أعرف كيف أصف مشاعري‪،‬‬                  ‫و ُتكمل الرحلة في محاولة استعادة ما ترجوه‬
 ‫هذه شقيقتي الوحيدة‪ ،‬ابنتي الكبرى‪ ،‬من المؤلم أن‬       ‫بالفعل‪ ،‬حتى ولو كانت استعادة افتراضية وذاتية‬
‫أعرف اليوم قدر الألم الذي ربما كنت سببًا فيه ولو‬        ‫(فتية وفتيات يقفون م ًعا بملابس ملونة زاعقة‪/‬‬
   ‫بوقوفي ثابتًا لا أدري ماذا أفعل‪ ،‬تتنازعني الكثير‬   ‫شعرت بلذة تدخين سيجارة داخل حرم دراسي)‪.‬‬
                                                         ‫هنا تحدد لنا الكاتبة أزمتها‪ ،‬تلك الأزمة الكبرى‬
     ‫من المشاعر‪ ،‬شعور بأنني كنت على حق عندما‬             ‫التي لا تحمل معها معرفة‪ ،‬إنها تسير في طريق‬
    ‫أدركت بأن طريقها هذا سيؤدي بها إلى المهالك‪،‬‬      ‫التيه الأكبر الذي لا انفكاك منه‪ ،‬طريق تذهب الروح‬
     ‫وشعور آخر بأنني كنت سببًا في كل ما حدث‪.‬‬           ‫فيه وتمحى حين تنقيها الآلام والتجارب لتصبح‬
   ‫شعور بأنني كان يجب أن أبذل جه ًدا أكبر لمنعها‬     ‫جر ًحا ناز ًفا ومؤلمًا‪ ،‬ومن خلال ذلك التحديد يتشكل‬
‫من التورط في كل هذا‪ ،‬ثم شعور بأنني نذل‪ ،‬تخليت‬            ‫بداخلنا سؤا ٌل عمي ٌق عن من يحدد الطريق‪ :‬هل‬
‫عنها وألقيتها في حياة لا تريدها لمجرد التخلص من‬            ‫الحياة هي من تحددنا؟ أم نح ُن من ُن َح ِّددها؟‬
                                                        ‫إن الطريقة التي يتم بها استكشاف مناطق الألم‬
                           ‫فضيحة» ص‪.73 ،72‬‬               ‫الإنساني وصراعه وتشظيه والتعامل معه بكل‬
  ‫في المقطع السابق‪ ،‬تنحاز الكاتبة لإيجابية الإنسان‬        ‫تناقضاتنا البشرية التي نراها في حياتنا داخل‬
 ‫المخطئ في الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه‪ ،‬تستجمع‬

    ‫لديه شتات روحه؛ ليقر بذنبه‪ .‬فالأخ هنا شقيق‬
   ‫«كاميليا» العمة ووالد «كاميليا» الصغيرة البطلة‪،‬‬
   ‫يقر بأنه كان شري ًكا فيما حدث لأخته‪ ،‬وما وقع‬
    ‫عليها من ظلم‪ ،‬جراء مشاركته في أمر تزويجها‬

      ‫من الأستاذ «جمال» أستاذ الرياضيات‪ ،‬وذلك‬
 ‫للقضاء على أحاديث السوء التي بدأت تنتشر حول‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107