Page 107 - merit 47
P. 107

‫نون النسوة ‪1 0 5‬‬                                        ‫لوصف امرأة تقف أمام المرآة وهي تمشط شعرها‪،‬‬
                                                           ‫وتنظر إلى وجهها الجميل الذي ينعكس في بالها‬
‫حسب رواية كاميليا الصغيرة التي سكنت في غرفة‬                   ‫إعجا ًبا وزه ًوا «تنظر إلى انعكاسها في المرآة‬
  ‫عمتها ساب ًقا‪ ،‬ينطبق مثل هذا التعبير المهادنة التي‬
   ‫تسمى أحيا ًنا بالتأقلم مع الواقع‪ ،‬فثمة ما ينطفئ‬        ‫وتضحك‪ ،‬تراها جميلة وجهها الدائري يضيء‬
   ‫ويتلاشى في الروح ويكون ثمنًا مستح ًّقا للقبول‬                                    ‫بأشعة الشمس»(‪.)2‬‬

                          ‫والاستسلام والمهادنة‪.‬‬                ‫المرآة والضوء مفردات تطرز بأفقها الموحي‬
     ‫تحاول كاميليا الصغيرة أن تقنع الآخرين بأن‬             ‫الصورة الحلمية بأكملها‪ ،‬ولأن «المرآة من حيث‬
‫عمتها ذابت في المرآة‪ ،‬لكن روايتها لم تنل التصديق‬        ‫هي رمز للخداع وكذلك من حيث هي رمز للمعرفة‪،‬‬
   ‫من العائلة التي تملك سردية مغايرة تح ِّمل فيها‬
                                                             ‫تتضمن تحو ًل يطرأ على الإنسان الناظر إليها‪،‬‬
       ‫العمة المختفية خطيئة العلاقة المرفوضة من‬              ‫ويتمثل هذا التحول في الوعي ‪-‬ولو كان وعيًا‬
  ‫المجتمع‪ .‬ويمكن أن نقرأ الرواية على وفق التقسيم‬          ‫ضئي ًل‪ -‬بأن ثمة معرفة بنفسه أو بغيره»(‪ .)3‬فقد‬
                                                          ‫مهدت الرواية في بدايتها بهذا الاستعمال الناجح‬
                                         ‫الآتي‪:‬‬          ‫المعبر عن إدراك المرء لنفسه والتعرف على صورة‬
                             ‫الأولى هي التماهي‬             ‫منها‪« :‬وضعت المقص على المائدة ثم ذابت في‬
                            ‫الثانية هي الاختلاف‬
                                                                                ‫المرآة وسط الضوء»(‪.)4‬‬
    ‫التماهي (صورة العمة كامليا)‬                                ‫تدور الرواية بين العمة كاميليا التي اختفت‬
                                                          ‫وبين ابنة أخيها التي تشترك معها بالاسم وربما‬
   ‫طور (لاكان) في مقاله وجهة نظر نفسية بدأ بها‬
   ‫فرويد واستثمرها فلسفيًّا في قراءة الأدب‪ ،‬وهي‬                                         ‫بالصفات أي ًضا‪.‬‬
    ‫ارتباط فكرة انعكاس الصورة في المرآة بالمرحلة‬           ‫الجزء الأول من الرواية ُيظهر كاميليا الصغيرة‬
  ‫الطفولية‪ ،‬حين يبدأ الطفل بالتعرف على نفسه من‬           ‫كأنها انعكاس لعمتها‪ ،‬تتحرك مثلها وتشعر بذات‬
    ‫خلال صورته المنعكسة‪ ،‬إذ تبدو حدود الحقيقة‬
    ‫والوهم «مش َّوشة في هذه المرحلة المب ِّكرة؛ فالأنا‬       ‫الهواجس‪ ،‬تنظر مثل نظرتها العنيدة المتمردة‪،‬‬
    ‫التي هي نافذتنا على ما ُيسمى بالعالم الحقيقي‬          ‫وتلتحم بأحاسيسها المرهفة تجاه الحب والحياة‪،‬‬
 ‫هي في الواقع نوع من الخيال؛ حيث يتعامل الطفل‬           ‫لكن ثمة انتصا ًرا للذات عندها يجلو ملامحه السرد‬
  ‫الواقف أمام المرآة مع صورته باعتبارها حقيقية‪،‬‬         ‫فيما بعد‪ ،‬تلعب هذه الرواية مبدئيًّا على فكرة تبادل‬
                                                           ‫الأدوار عبر الأنا (الذات) وهي (الاخر)‪ ،‬وتدور‬
                       ‫مع أنه يعلم أنها وهمية(‪.)5‬‬        ‫مفردة المرايا فيها بطريقة تخدم هذه الفكرة‪ ،‬فهي‬
  ‫يصلح هذا المدخل الفلسفي لقراءة رواية (أطياف‬            ‫تارة توصل صورة مطابقة لكاميليا العمة وأخرى‬
   ‫كاميليا) قراءة ثقافية‪ ،‬إذ تجد‬
                                                                         ‫تعود إلى ذات مختلفة لابنة الأخ‬
      ‫كاميليا الصغيرة ابنة الأخ‬                                          ‫كاميليا الصغيرة‪ ،‬كل هذه اللعبة‬
   ‫نفسها نسخة من العمة‪ ،‬فثمة‬
                                                                            ‫السردية من أجل إعلاء معنى‬
      ‫تشابه في الشكل والطباع‬                                                ‫الرفض ورفع صوت المقاومة‬
   ‫والاسم‪ ،‬هذا الأمر ولَّد لديها‬                                          ‫بطريقة مبتكرة‪ ،‬مقاومة التسلط‬
‫قناعة بتكرار نسختها‪ ،‬فتتماهى‬                                                ‫الذي تفرضه الأعراف والقيم‬
 ‫ذاتها مع انعكاس صورة عمتها‬                                               ‫الاجتماعية بالتلاشي والذوبان‪،‬‬
‫بطريقة طفولية أو غير ناضجة‪،‬‬                                                 ‫فالحياة الحقة لا بد أن ُتعاش‬
 ‫حصدت بسببها معاملة قاسية‬
   ‫من أهلها الذين تصوروا أنها‬                                                 ‫بكامل الإرادة والإحساس‪،‬‬
                                                                            ‫وحين لا يتوفر ذلك للأسباب‬
      ‫ستخرج عن طوق الطاعة‬                                                  ‫التي ذكرنا ستكون النهاية بلا‬
     ‫وتتمرد على السلوك العائلي‬                                              ‫شك هي التلاشي أو الذوبان‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112